صدى العدالة ونفاق الهيمنة

إلهام لي تشاو

في الأسبوع الماضي أعلنت عدة دول أوروبية وغربية اعترافها بدولة فلسطين. قد لا يغيّر هذا التطور المشهد في الشرق الأوسط على الفور، لكنه يكشف عن تصدعات جديدة في الخريطة السياسية الدولية. فبالنسبة لعدد متزايد من الدول، لم يعد الاعتراف بفلسطين مجرد خطوة رمزية، بل رسالة واضحة: إن سياسة الانحياز لإسرائيل لم تعد قابلة للاستمرار في ظل جمود عملية السلام.

يمثل الاعتراف بفلسطين استجابة لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، كما أنه انعكاس لضغط الرأي العام. فالحرب في غزة وما خلّفته من خسائر بشرية هائلة دفعت موجات احتجاجية واسعة في الشوارع الأوروبية، واضطرت الحكومات إلى اتخاذ خطوات ملموسة. في الوقت نفسه، تسعى بعض الدول الأوروبية إلى إظهار قدر أكبر من الاستقلالية في سياستها تجاه الشرق الأوسط، بعيدا عن تبعية كاملة لواشنطن. هذه الخطوة لا تعكس فقط التفاعل مع المزاج الداخلي، بل أيضا رغبة في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

في المقابل، تبدو الولايات المتحدة معزولة أكثر من أي وقت مضى. فواشنطن لا تزال تقدّم دعما واسعا لإسرائيل، يجمع بين المساعدات العسكرية والحماية الدبلوماسية، غير أن هذا الانحياز أفقدها مصداقيتها كوسيط. فهي من جهة تتحدث عن “حل الدولتين”، ومن جهة أخرى تتغاضى عن توسيع المستوطنات وتتجاهل الدعوات إلى وقف إطلاق النار. هذا التناقض في السياسات أصبح يُنظر إليه على نطاق واسع كأحد الأسباب الرئيسة لجمود عملية السلام. والأسوأ أن هذا الموقف لم يحقق الاستقرار، بل على العكس غذّى التطرف وأضعف مكانة الولايات المتحدة لدى العالم العربي والمجتمع الدولي الأوسع.

صحيح أن الاعتراف وحده لا يمكن أن يعالج الانقسام السياسي الفلسطيني، ولا أن يغيّر التوجهات المتشددة داخل إسرائيل، ولا أن ينهي التنافس بين القوى الإقليمية. كما أن كثيرا من الدول ربطت اعترافها بشروط تتعلق بالإصلاحات السياسية أو الابتعاد عن الصراع المسلح، وهي شروط يصعب تحقيقها في المدى القريب. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من البعد الرمزي لهذه الخطوة، فهي تمنح الفلسطينيين حضورا أكبر على الساحة الدولية وتضع إسرائيل تحت ضغط دبلوماسي متزايد.

إن اعتراف عدد متزايد من الدول الغربية بفلسطين يعبّر عن تحوّل في الموقف الدولي تجاه القضية. فاختيار الوقوف إلى جانب القانون الدولي والعدالة هو رسالة إلى واشنطن بأن الانحياز لطرف واحد لا يقود إلى السلام، بل يفاقم حالة عدم الاستقرار. فالتوصل إلى سلام حقيقي يتطلب تنازلات من الطرفين ودورا نزيها من القوى الدولية، بينما استمرار النهج الأحادي الأميركي لن يؤدي إلا إلى تراجع نفوذها وقدرتها على الوساطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى