الكون في طريقه إلى الانتحار… اكتشاف علمي يقلب الفيزياء رأسًا على عقب

تشير دراسات علمية جديدة إلى سيناريو مدهش وصادم في الوقت ذاته: مصير الكون كما نعرفه اليوم قد ينتهي بالانهيار الكامل تحت تأثير جاذبيته الذاتية خلال نحو 20 مليار سنة. هذه النتيجة لم تأتِ من فراغ، بل من بحوث علمية دقيقة نُشرت في مجلة Journal of Cosmology and Astroparticle Physics، استندت إلى نماذج حديثة للطاقة المظلمة، تلك القوة الغامضة التي تتحكم في تمدد الكون وتسارعه عبر الزمن.

نهاية الكون أقرب مما نتصور

تشير الحسابات الجديدة إلى أن العمر الكلي للكون سيبلغ 33.3 مليار سنة، وبما أن عمر الكون الحالي يُقدّر بنحو 13.8 مليار سنة، فهذا يعني أن أمامنا قرابة 19.5 مليار سنة قبل الانهيار النهائي. ويؤكد العلماء أن هذا المصير المظلم هو نتيجة مباشرة لاحتمال أن تكون قيمة الثابت الكوني الذي وضعه أينشتاين سالبة، ما يجعل الطاقة المظلمة تتحول من قوة دافعة للتوسع إلى قوة ساحبة نحو الانكماش.

الكون
الكون

مراحل تطور الكون حتى لحظة الانهيار

يشرح فريق البحث المكون من هوانغ نان ليو من مركز دونوستيا الدولي للفيزياء في إسبانيا، ويو-تشنغ كيو من جامعة شنغهاي جياو تونغ في الصين، وهنري تاي من جامعة كورنيل الأمريكية، أن الكون سيمر بثلاث مراحل رئيسية قبل النهاية الكبرى:

  • المرحلة الأولى: استمرار التوسع لمدة 11 مليار سنة إضافية، ليصل الكون إلى حجم يعادل 1.7 مرة حجمه الحالي.
  • المرحلة الثانية: الوصول إلى نقطة توازن حرجة، حيث يتوقف التمدد تدريجيًا.
  • المرحلة الثالثة: بداية الانكماش السريع الذي سيستمر لمدة 8 مليارات سنة، لينتهي بما يُعرف بـ”الانسحاق العظيم”.

خلال هذه المراحل، ستتغير معالم الكون بشكل جذري، إذ ستبدأ المجرات بالتقارب، والنجوم بالانطفاء تدريجيًا، حتى تنتهي كل أشكال المادة إلى نقطة كثيفة لا نهائية تشبه الانفجار العظيم ولكن بالعكس.

إقرأ أيضا: أسعار النفط اليوم ترتفع هامشياً بعد اتفاق إسرائيل وحماس لوقف الحرب في غزة

الطاقة المظلمة: لغز الكون الأكبر

منذ اكتشافها في أواخر القرن العشرين، ما زالت الطاقة المظلمة تمثل أحد أعقد الألغاز العلمية. فهي تشكل نحو 68% من محتوى الكون، لكن طبيعتها الحقيقية مجهولة. كانت النظريات السابقة تشير إلى أنها قوة ثابتة تدفع الكون نحو التمدد إلى الأبد، لكن الدراسة الحديثة تفترض عكس ذلك تمامًا.

الكون
الكون

توضح النماذج الحديثة أن الطاقة المظلمة ليست ثابتة، بل تتغير مع الزمن، وهو ما يعني أن الثابت الكوني (λ) قد يكون في الواقع سالبًا. هذا التغير سيحوّل الطاقة المظلمة من قوة طاردة إلى قوة جاذبة، مما يؤدي إلى توقف التوسع ثم بدء مرحلة الانكماش.

تشبيه مبسط لفهم ما سيحدث

يستخدم العلماء مثالًا توضيحيًا بسيطًا لتقريب هذه الفكرة المعقدة إلى الأذهان: يمكن تخيل الكون كراكب دراجة يصعد منحدرًا بمساعدة الرياح. في البداية، تدفعه الرياح بقوة، لكن مع مرور الوقت، تضعف هذه الرياح حتى تتوقف تمامًا، فيتوقف الراكب عند القمة، ثم يبدأ بالانزلاق سريعًا إلى الأسفل. هكذا تمامًا سيتصرف الكون، إذ ستضعف الطاقة المظلمة حتى تنقلب إلى جاذبية ساحقة تؤدي إلى الانكماش الكوني.

إقرأ أيضا  : روسيا وطاجيكستان تتجهان نحو التعامل بالعملات الوطنية وتعزيز التعاون الاقتصادي

ما هو “الانسحاق العظيم”؟

يطلق العلماء على النهاية المتوقعة للكون اسم “الانسحاق العظيم” (The Big Crunch)، وهو الحدث العكسي للانفجار العظيم. في هذه المرحلة، ستبدأ المادة والطاقة في الانجذاب نحو مركز الجاذبية الكوني، لتتقلص المسافات بين المجرات، وتنهار الكواكب والنجوم في عملية ضخمة لا يمكن وقفها. وفي اللحظة الأخيرة، سينهار كل شيء في نقطة متناهية الصغر ذات كثافة لا محدودة وحرارة تفوق الخيال.

فرضية الأكسيونات ودورها في مستقبل الكون

اعتمد الباحثون في تحليلهم على مفهوم فيزيائي يعرف باسم “الأكسيونات”، وهي جسيمات خفيفة للغاية قد تتصرف مثل الطاقة المظلمة. هذه الجسيمات يمكنها أن تفسر التذبذب في قوة الطاقة المظلمة، وتؤدي إلى التحول التدريجي من التوسع إلى الانكماش. وتشير النتائج إلى أن فهم هذه الجسيمات بدقة قد يكون مفتاحًا لفك لغز مصير الكون.

الطاقة المظلمة بين النظرية والحقيقة

ما يجعل هذه الدراسة مثيرة للجدل هو أنها تعيد النظر في المفهوم التقليدي للطاقة المظلمة، الذي لطالما اعتُبر سببًا في التوسع المستمر للكون. لكن وفقًا للباحثين، هناك أدلة متزايدة على أن هذه القوة قد لا تكون ثابتة كما كان يُعتقد، وأن التغير في كثافتها مع مرور الزمن قد يؤدي إلى انعكاس تأثيرها بالكامل.

هل هناك مفر من الانهيار؟

رغم سوداوية هذا السيناريو، إلا أن العلماء لا يستبعدون احتمال تغير المعطيات بمرور الوقت. ففهمنا للطاقة المظلمة لا يزال محدودًا، وربما تظهر قوى أو ظواهر كونية جديدة تغير مسار الأحداث. ومع ذلك، يشير الباحثون إلى أن هذه التنبؤات تُعد الأكثر دقة حتى الآن استنادًا إلى بيانات المراقبة الكونية الحديثة.

أهمية هذه الاكتشافات

لا تقتصر أهمية هذه الدراسة على التنبؤ بمصير الكون فحسب، بل تفتح الباب أمام إعادة صياغة نظريات الفيزياء الكونية الأساسية. فمعرفة النهاية المحتملة تساعد العلماء على فهم البنية العميقة للكون وطبيعة الزمان والمكان والطاقة والمادة. كما قد تساهم هذه النتائج في تطوير نظريات جديدة توحد بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وهو الحلم الأكبر للفيزيائيين منذ قرن.

الكون
الكون

تصريحات البروفيسور هنري تاي

يقول البروفيسور هنري تاي من جامعة كورنيل: “على مدى العقدين الماضيين، كان الاعتقاد السائد أن الكون يتمدد إلى الأبد، لكن بياناتنا الجديدة تُظهر أن الثابت الكوني قد يكون سلبيًا، مما يعني أن الكون في طريقه إلى الانكماش والانهيار”. ويضيف: “معرفة نهاية الكون لا تقل أهمية عن معرفة بدايته، فهي تساعدنا على فهم أعمق لموقعنا في هذا الوجود”.

نهاية الكون… وبداية تساؤلات جديدة

مهما كانت التنبؤات دقيقة، تبقى الطاقة المظلمة لغزًا لم يُحل بعد. فكل دراسة جديدة تفتح أبوابًا لمزيد من الأسئلة: هل يمكن أن يتحول الكون من الانكماش إلى انفجار جديد في دورة لا نهائية؟ هل يمكن أن تكون هناك أكوان أخرى موازية تنجو من هذا المصير؟ هذه التساؤلات تبقي علم الكونيات من أكثر المجالات إثارة وغموضًا في العصر الحديث.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى