الصحة النفسية… حين يصبح الداخل أهم من كل ما نُظهره للعالم

بقلم: شروق القضاة – مرشدة نفسية

في كل عام، وتحديدًا في العاشر من تشرين الأول، يحتفي العالم باليوم العالمي للصحة النفسية.
لكن وسط الزحام، بين الأخبار والروتين، يمرّ هذا اليوم على كثيرين كخبر عابر، بينما في الحقيقة هو صرخة هادئة تذكّرنا أن ما في داخلنا يستحق أن يُسمع ويُفهَم.

نعيش اليوم في زمنٍ متسارع، تُقاس فيه القيمة بما ننجزه لا بما نشعر به. الكل يركض، والكل يبتسم، والكل يقول “أنا بخير”، حتى عندما يكون داخله مليئًا بالضجيج. لكن الحقيقة أن “الصحة النفسية” ليست رفاهية أو ترفًا عاطفيًا، بل هي حجر الأساس لحياتنا اليومية.
هي ما يجعلنا نحب بصدق، ونعمل بتركيز، ونتعامل مع الآخرين بسلام.

يعتقد البعض أن الحديث عن النفس والتعب والضيق نوع من الضعف، لكن الشجاعة الحقيقية تكمن في الاعتراف بأننا بحاجة إلى راحة، أو إلى من يسمعنا.
أن نقول “تعبت” لا تعني أننا فشلنا، بل أننا بشر نحاول أن نعيش بطريقة صحيحة.

كم من الأشخاص حولنا يعيشون تحت ضغط هائل؟
طالب جامعي يخاف من الفشل، أمّ تشعر بالتعب لكنها تبتسم لأجل أطفالها، موظف يبتلع إحباطه كل صباح كي لا يبدو “ضعيفًا”، أو شخص يضحك في الصور لكنه كل ليلة ينهار بصمت.
كل هؤلاء لا يحتاجون إلى أحكام أو نصائح جاهزة، بل إلى أذن صافية وقلب يتفهم.

الصحة النفسية لا تنفصل عن الجسد.
حين تتعب روحك، يبدأ جسدك بالشكوى: صداع بلا سبب، نوم مضطرب، تعب لا يزول. كل هذه رسائل تقول إن الوقت حان لتتوقف وتسمع نفسك.
ليس عيبًا أن تطلب المساعدة، أن تذهب لأخصائي نفسي، أو أن تتحدث عمّا يؤلمك.
العيب هو أن تكتم ألمك حتى يطفئك بصمت.

اليوم العالمي للصحة النفسية ليس مجرد مناسبة، بل هو دعوة لأن ننظر إلى داخلنا كما ننظر إلى المرآة.
أن نسأل أنفسنا: هل أنا فعلًا بخير؟ هل أتعامل مع نفسي بلطف كما أتعامل مع الآخرين؟
فالحياة لا تُقاس بعدد الإنجازات، بل بقدرتنا على العيش بسلام داخلي.

العالم لا يحتاج مزيدًا من الأقنعة، بل مزيدًا من الصدق.
أن نكون طبيعيين، نغضب، نحزن، نبكي، ثم نعود لنقف من جديد — هذه هي الإنسانية الحقيقية التي يجب أن نحافظ عليها.

وفي هذا اليوم، فلنُذَكّر أنفسنا ومن حولنا بأن الراحة النفسية حق، وأن العناية بالنفس ليست أنانية بل ضرورة.
ابدأ بخطوة صغيرة: خذ وقتًا لنفسك، تحدث عما يوجعك، واسمح لمن حولك أن يعرفوا أنك إنسان قبل أن تكون قويًا.

تذكّر دائمًا:
الصحة النفسية ليست أن تخلو حياتك من الحزن، بل أن تمتلك القدرة على النهوض بعد كل عثرة، وأن تظل متصالحًا مع نفسك مهما كانت العواصف من حولك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى