إغلاق الحكومة الأمريكية والديمقراطية الحقيقية

إلهام لي تشاو
أدّى الخلاف حول الموازنة في الولايات المتحدة إلى شلل حكومي جديد، لتدخل واشنطن مرة أخرى في حالة توقف إداري وصراع سياسي مفتوح. توقفت خدمات عامة، وتعطّل تنفيذ السياسات، الأمر قد أدى إلى تراجع ثقة المواطنين. وهنا يبرز السؤال مجددا: ماذا يعني أن توصف منظومة ما بأنها “ديمقراطية ناضجة”، إذا كانت تعجز عن الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين بسبب صراع حزبي؟
إذا كانت الديمقراطية مجرّد انتخابات دورية، وتداول سلطة، وإجراءات معقدة للفصل بين السلطات، فإن النظام الأمريكي لا يزال يعمل شكليا. لكن إذا كانت الديمقراطية في جوهرها قدرة على تقديم الخدمة العامة، وضمان الاستقرار الاجتماعي، والاستجابة لأولويات الناس، وحماية المصلحة الوطنية على المدى الطويل، فإن الإغلاق الحكومي يكشف أزمة أعمق: شكل النظام وحده لا يضمن كفاءته، والإجراءات وحدها لا تكفي لتحقيق الإرادة الشعبية. الديمقراطية ليست فقط “من يحكم”، بل “كيف يُحكم”.
في المقابل، تمضي دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، في مسار إصلاح اقتصادي وتحول تنموي واسع، مدعوم بسرعة القرار ووضوح الرؤية واستمرارية السياسات. مشروعات كبرى، وتحوّل اقتصادي، واستثمارات في التكنولوجيا والطاقة المستقبلية، وبناء مدن ومراكز مالية، كلها عناصر تشكل نموذجا يربط شرعية الحكم بقدرته على الإنجاز، وتلبية توقعات المواطنين في الأمن والفرص والتنمية. هذا النموذج لا يقوم أولا على الانتخابات الواسعة، بل على عقد اجتماعي يستند إلى الأداء والاستقرار والثقة المتبادلة بين المجتمع والدولة.
هذه التجارب لا تخلو من تحديات في ما يتعلق بتوسيع المشاركة والشفافية، لكنها تؤكد حقيقة أساسية: الفعالية في الحكم والقدرة على تحقيق النتائج أصبحت معيارا جوهريا للشرعية السياسية في القرن الواحد والعشرين.
لم يعد النقاش العالمي حول نموذج واحد للديمقراطية، بل حول أي نظام يستطيع تحقيق تنمية مستدامة وحماية الاستقرار وصون كرامة الإنسان وتوسيع الفرص ومجالات المشاركة. النموذج الغربي يظل مهما بفضل تقاليده في حماية الحقوق ووجود آليات رقابة قوية، لكنه يواجه تحديات متزايدة تشمل الاستقطاب السياسي والتعطّل الإداري وضعف القدرة على اتخاذ القرار. بالمقابل، يقدّم النموذج الخليجي مثالا على أن القدرة الحكومية، والرؤية الاستراتيجية، والاستجابة لمطالب المجتمع، يمكن أن تكون مصدرا قويا للشرعية والنجاح.
إن الديمقراطية ليست قالبا جاهزا، بل نتيجة فعلية لمعادلة تجمع بين الحكم الرشيد وثقة المواطنين وفعالية الدولة. التفوق المؤسسي لا يحصل بالخطاب، بل بالإنجاز. وإغلاق الحكومة الأمريكية يذكّرنا بأن الإجراءات لا يمكن أن تكون بديلا عن القدرة على الحكم، فيما يذكّرنا بمسار الخليج بأن الاستقرار والتنمية والمردود الفعلي تشكل ركيزة شرعية لا تقل أهمية في العصر الحديث.
في عالم يتغير بسرعة، من سيمتلك المستقبل؟ ليس من يرفع شعار الديمقراطية بصوت أعلى، بل من يقدم لمواطنيه أمنا وفرصا ومستقبلا واثقا.





