عرض النسخة الأولى من أعمال شكسبير الكاملة للبيع في معرض فن أبوظبي مقابل 4,5 مليون جنيه إسترليني
ستتاح للباحثين وهواة جمع الكتب وعشاق الأدب الإنجليزي فرصةٌ نادرةٌ لمشاهدة أحد أهم المطبوعات، وهو المجلد الأول لأعمال ويليام شكسبير الكاملة (1623)، وسيفسح المجال أمام المؤسسات المهتمة وهواة جمع الكتب من القطاع الخاص لاقتناء هذه الثروة الأدبية الفريدة.

تعتزم دار بيتر هارينغتون، الرائدة عالميًا في مجال الكتب النادرة، عرض أحد أهم الأعمال الأدبية في التاريخ الحديث للبيع بسعر 4,5 مليون جنيه إسترليني خلال معرض فن أبوظبي الذي يقام خلال الفترة من 19 إلى 23 نوفمبر في منارة السعديات.
الكتاب المقرر عرضه هو واحدةٌ من 24 نسخة فقط ما تزال مملوكةً لأفراد، ولا توجد حاليًا أي مؤسسة أو متحف أو مجموعة خاصة في منطقة الشرق الأوسط تملك نسخة من الطبعة الأولى من أعمال شكسبير الكاملة (المجلد الأول First Folio). ويعتبر ظهور هذا الكتاب في أبوظبي اليوم فرصةً نادرة للغاية لأي جامع تحفٍ أو مؤسسةٍ ثقافيةٍ في المنطقة للانضمام إلى أعرق المكتبات في العالم؛ من مكتبة فولغر شكسبير في العاصمة الأميركية واشنطن إلى المكتبة البريطانية في لندن – ليشهدوا أحد أعظم الكنوز الأدبية في العالم.
وبهذه المناسبة، يقول بوم هارينغتون، مالك دار بيتر هارينغتون: “تتجاوز أعمال شكسبير حدود الزمان والمكان. وقد نُسب إليها الفضل في تشكيل وتوطيد تأثير شكسبير على اللغة الإنجليزية. ولكن عندما ترى الحماس الذي يغمر المهتمين بالنسخة الأولى من أعماله أينما حلت – سواء في تسمانيا أو تورنتو – نتذكر حقيقة أن كتابًا من القرن السابع عشر طُبع في إنجلترا ما يزال يُلهم المهتمين بالأدب الإنجليزي حول العالم، ويثير دهشتهم وإعجابهم بعد قرونٍ طويلة وفي أماكن بعيدة كل البعد عن مكان طباعته الأصلي”.
صون إرث شكسبير
وكان (المجلد الأول First Folio) قد طُبع في لندن عام 1623 على يد إسحاق جاغارد وإدوارد بلونت، وهو أول إصدارٍ جامعٍ لمسرحيات شكسبير، حيث يتضمن ستًا وثلاثين مسرحية – من بينها ثماني عشرة مسرحية ربما كانت ستُفقد إلى الأبد لولا هذا الإصدار. وبدون هذا العمل، لما عرف العالم مسرحياتٍ؛ مثل: “ماكبث Macbeth”، و”الليلة الثانية عشرة Twelfth Night”، و”يوليوس قيصر Julius Caesar”، و”العاصفة The Tempest”.
وجاء تجميع المجلد الأول بواسطة اثنين من أقرب أصدقاء شكسبير وزملائه في التمثيل ضمن فرقته المسرحية “رجال الملك The Kings Men”، وهما جون هيمينغز وهنري كونديل، واللذان قاما بجمع المسرحيات بعد سبع سنواتٍ من وفاته. ولم يكن هذا العمل مشروعًا تجاريًا فحسب، بل جهدًا نابعًا من الوفاء والحب لشكسبير، ليحولا حزنهما على هذه الشخصية الأدبية الفريدة إلى عملٍ تذكاريٍ خالد، يصون ويحفظ إرث شكسبير للأبد.
تكمن خلف الصفحات المهيبة للمجلد الأول قصةٌ من التفاوض والإصرار؛ إذ كان مفهوم حقوق النشر في القرن السابع عشر مختلفًا تمامًا عما هو عليه اليوم. فلم يكن لشكسبير أي حقوق نشرٍ لأيٍ من مسرحياته، بل كانت حقوق طباعة المسرحيات في شكل كتيباتٍ مستقلةٍ يمكن لأيٍ كان شراؤها أو بيعها. ولذلك، اضطر جون هيمينغز وهنري كونديل لإعادة شراء حقوق الطباعة من عدة ناشرين لتوحيد المسرحيات في مجلدٍ واحد، وقد عبّرا في المقدمة المؤثرة للمجلد عن رغبةٍ صادقةٍ تجاه القرّاء بقولهم: “افعلوا ذلك، ولكن اشتروا الكتاب أولًا.” وما بدأ مشروعًا تجاريًا محفوفًا بالمخاطر، تحوّل إلى ركنٍ أساسٍ للأدب الحديث، ووسيلةٍ لحفظ إرث شكسبير على مر الأجيال.
وقد استغرقت طباعة المجلد الأول ما يقارب العامين، حيث كانت كل صفحةٍ تُصفّ بالحروف يدويًا بعنايةٍ ودقة، بينما عمل على إعداد النص عدة صفّافين، لكلٍ منهم أسلوبه الخاص في التهجئة وعلامات الترقيم، ونتج عن ذلك تباين النسخ المطبوعة دون أن تجد نسختين متطابقتين تمامًا منه. وحتى في زمنه، كان المجلد يُعد غالي الثمن ورفيع المكانة، إذ كانت تكلفة نسخةٍ واحدةٍ مجلدة تعادل ما يصل إلى أجر شهرين لعاملٍ ماهر. ومن بين نحو 750 نسخةٍ طُبعت في الأصل، لم يتبقَ اليوم سوى233 نسخة معروفة، منها 24 فقط ما تزال في حوزة أفرادٍ على مستوى العالم.
نسخة شَكبَرَه Shuckburgh
نسخة شَكبَرَه Shuckburgh من المجلد الأول تُعد واحدة من أروع النسخ المتبقية من هذا العمل التاريخي، فقد تم تجليدها بالجلد المغربي الأحمر الفاخر على يد روجر باين، أحد أشهر مُجلّدي الكتب
في إنجلترا، والذي كان يخدم أبرز عشاق الكتب في القرن الثامن عشر. يحتوي هذا المجلد على النص الكامل لكافة مسرحيات شكسبير، ويتميّز بصفحاتٍ واضحةٍ لم يصبها أي ترميم، بالإضافة إلى عمود الكتاب المزخرف بعنايةٍ كبيرةٍ، والذي يجعله تحفة فنية تجمع بين روعة الطباعة وفن التجليد.
ويعود أصل ملكية نسخة شَكبَرَه من المجلد الأول إلى السير جورج أوغسطس ويليام شكبروه-إيفلين (1751–1804)، وهو عالم رياضيات وفلك بارز، وعضو في الجمعية الملكية البريطانية. كانت مكتبته المرموقة تضم أيضًا نسخة من إنجيل غوتنبرغ ومخطوطات مزخرفة نادرة. وقد انتقلت هذه النسخة من المجلد لعدة أجيالٍ من ورثته، وظلت في حوزةٍ خاصة لأكثر من قرنين من الزمن، قبل أن تظهر مجددًا في مزادٍ علني عام 2016م.
الامتداد الثقافي العالمي
ويعد جلب المجلد الأول the First Folio إلى أبوظبي لفتةً رمزيةً تعبّر عن عالمية فن شكسبير، فقد ألهمت قصصه عن الحب، والسلطة، والغيرة، والطموح عددًا لا يُحصى من الاقتباسات الأدبية والمسرحية والسينمائية حول العالم، لتؤكد أن أعماله تتجاوز حواجز الزمان والمكان، وتخاطب الإنسان في جوهره أينما كان.
يذكر أن تأثير شكسبير على الثقافة العربية – لا سيما في المسرح والسينما – بالغ، إذ وفّر للفنانين العرب مرآة فنية لاستكشاف الواقعين الاجتماعي والسياسي. فقد أعادت السينما المصرية تقديم بعض كوميدياته بأسلوبٍ محلي، مثل فيلم “آه من حواء”(1962) الذي اقتُبس عن مسرحية “ترويض النمرة The Taming of the Shrew “. كذلك، اقتبس الكاتب المسرحي الكويتي سليمان البسام في أعماله عن عدة مسرحياتٍ؛ مثل: “هاملت Hamlet “، و”ريتشارد الثالث Richard III”، باعتبارها أدواتٍ نقديةٍ يمكن توظفيها لتسليط الضوء على الاستبداد والفساد. وعلى امتداد العالم العربي، ما تزال السمات المتضمنة في أعمال شكسبير؛ مثل: الطموح، والعدالة، وصراع القيم، تجد صدى عميقًا، حيث يُعاد تفسيرها في ضوء الواقع الثقافي والسياسي المحلي، والذي يمنحها حياة جديدة تتجاوز أصولها الإليزابيثية.
من جهةٍ أخرى، يُنظر للمجلد الأول باعتباره ركنًا أساسيًا للأدب الإنجليزي، بل بوصفه أيضاً أثرًا مهمًا للغة الإنجليزية، فقد تضمن لأول مرة مسرحيات شكسبير المطبوعة، ويُنسب إليه الفضل في إدخال أكثر من 1700 كلمة وتعبير جديدٍ إلى اللغة الإنجليزية؛ مثل: كلمتي “مقلة العين eyeball”، و”غرفة النوم “bedroom، ومثل التعبيرين: “الوحش أخضر العينين (رمز الغيرة) the green-eyed monster” و”تضع قلبك على كمّك (أي تُظهر مشاعرك بوضوح) wearing your heart on your sleeve”.
هذا، ويُعد معرض “فن أبوظبي” منصة مثالية لعرض مثل هذا الكتاب الذي يحمل قيمة ثقافية عميقة. فالمكان، بما يجمعه من فنون عالمية وتنوع ثقافي، يُضفي على هذا العمل التاريخي بُعدًا جديدًا من التفاعل والتأمل، ويمنح الجمهور فرصة نادرة للتواصل مع أحد أعظم إرث أدبي في تاريخ الإنسانية.
ويشير هارينغتون إلى أن “عرض المجلد وسط مجموعة من الرموز الفنية والثقافية الأخرى يذكّر بأن السرد القصصي إنما هو شغفٌ عالمي.” مضيفًا “امتلاك نسخةٍ من المجلد الأول لأعمال شكسبير بالنسبة لأي مؤسسة أو فردٍ يُعنى بجمع المقتنيات يعني ببساطة امتلاك كتابٍ منح العالم شكسبير.”




