قرن من التضخم يطيح بقيمة الدولار.. الورقة الخضراء تهبط إلى أدنى قوة شرائية في تاريخها

تُظهر أحدث بيانات الاحتياطي الفيدرالي أن القوة الشرائية للدولار الأميركي وصلت إلى مستوى غير مسبوق في انخفاضها، بعد مسار طويل من التراجع بدأ منذ عام 1913. فالدولار الذي كان يكفي لشراء سلة كبيرة من السلع قبل أكثر من قرن، لم يعد اليوم يساوي سوى نسبة ضئيلة من قيمته الأصلية، في انعكاس مباشر لتراكم موجات التضخم والحروب والأزمات الاقتصادية وتحوّلات السياسة النقدية.

وتوضح السجلات أن التراجع كان تدريجياً حتى أربعينيات القرن الماضي، قبل أن تتسارع وتيرته بعد الحرب العالمية الثانية مع ارتفاع الإنفاق الحكومي وزيادة أسعار السلع عالمياً. وشهدت السبعينيات أكبر موجة تآكل في قيمة الدولار بفعل صدمة النفط وارتفاع كلفة الإنتاج، فهبط المؤشر من 243 نقطة عام 1972 إلى أقل من 128 نقطة في 1980.

ومنذ ذلك الحين استمر الانخفاض بوتيرة متواصلة حتى وصل في 2025 إلى نحو 30 نقطة فقط، ما يعني أن الدولار الحالي لم يعد يشتري سوى جزء بسيط مما كان يشتريه عند تأسيس البنك الفيدرالي.

وكان التحوّل الأبرز الذي سرّع هذا التراجع هو إنهاء ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، عندما أوقف الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تحويل العملة إلى ذهب، لينتهي بذلك نظام “بريتون وودز” الذي حكم الاقتصاد العالمي لعقود. هذا الانتقال فتح الباب أمام سياسة نقدية أكثر مرونة، لكنه سمح أيضاً بخلق نقود أكثر من قدرة الاقتصاد الحقيقي على استيعابها، مما أدى إلى موجات تضخم ممتدة.

وتشير قراءات المدن الأميركية إلى أن كل تراجع ملحوظ في المؤشر كان مرتبطاً بحدث اقتصادي كبير، مثل الحروب أو أزمات الطاقة أو فترات التوسع المفرط في المعروض النقدي.

وبالنسبة للمستهلك الأميركي، فإن النتيجة واضحة: ارتفاع متواصل في تكلفة المعيشة، وتراكم أثر تضخم استمر لأكثر من مئة عام، ما يجعل الأسعار الحالية انعكاساً لمزيج من تضخم الماضي والحاضر.

ورغم أن ضعف القوة الشرائية لا يعني بالضرورة ضعف الاقتصاد، إلا أنه يسلط الضوء على تحديات السياسة النقدية الأميركية في عالم يزداد تعقيداً مع توسع العملات الرقمية وتغير مراكز القوة الاقتصادية عالمياً، إضافة إلى أسئلة جوهرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى