الأحياء الأموات: حين مات الحوار في زمن الهاتف

الأسرة بين دفء الأمس وبرودة الشاشات

بقلم: عبدالكريم الشنون

في زمنٍ لم يكن فيه من التكنولوجيا سوى مذياعٍ خافت الصوت أو قنديلٍ يضيء بالكاد، كانت الحياة تنبض دفئًا. كان الأجداد يجتمعون حول الحكاية، والأب يحاور أبناءه، والأم تُنصت لهموم صغارها. الأسرة آنذاك لم تكن مجرد وحدة اجتماعية، بل نبعًا دائمًا من الحب والاهتمام.
أما اليوم، فقد تسللت الهواتف الذكية إلى كل بيت، بل إلى كل يد، لتخلق جدرانًا جديدة بين أفراد الأسرة الواحدة. أصبح الأب مشغولًا بهاتفه، والأم تغوص في مواقع التواصل، والأبناء غارقون في عالم افتراضي لا حدود له. هكذا، وفي غفلة منا، مات الحوار، وتفككت الروابط، رغم بقائنا تحت سقفٍ واحد.
نتشارك المكان، لكن لا نتشارك الحياة. نعرف أخبار العالم بأسره، ونجهل ما يدور في نفوس من يعيشون معنا. نضحك على مقاطع مرسلة من غرباء، في حين نبخل بنظرة حانية أو كلمة طيبة لأقرب الناس إلينا.
في زمن الأجداد، لم تكن وسائل الاتصال متطورة، لكن القلوب كانت أقرب. واليوم، ومع كل هذا الانفتاح، أصبحنا نعيش غرباء، متجاورين في الجسد، متباعدين في الروح. وكأننا أحياء بأجساد فقط، لكننا أموات في مشاعرنا، وفي حضورنا الحقيقي داخل بيوتنا.
آن الأوان لإعادة النظر.
وأن نجعل من الهاتف وسيلة لا عزلة.
لنعيد للمائدة صوت الحديث، ولغرفة الجلوس دفء اللقاء، وللأبوة والأمومة معناها الحقيقي.
فالحياة ليست فيما نراه على الشاشات، بل في العيون التي تنظر إلينا بانتظار اهتمام، وفي القلوب التي تشتاق لنبضٍ صادق. لنختر أن نكون “أحياءً حقًا” … قبل أن نتحول جميعًا إلى أرقام في ذاكرة هاتف، أو صور في مجلد منسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى