” الحد من الضرر”

الدكتور ماهر زبانة

استشاري أول جراحة الكلى والمسالك البولية والتناسلية

عمّان – الأردن

 

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن مفهوم قديم – جديد يتعلق بأمور الصحة العامة، أطلق عليه المختصون تعبير “الحد من الضرر “.

بصفة عامة، يبحث هذا المفهوم في إيجاد وتطوير أليات وتقنيات علمية  خاصة للتقليل من الأضرار الصحية الناتجة عن العادات الحياتية اليومية التي يتبعها الناس  كالتدخين وشرب الكحول والغذاء غير الصحي الذي يستهلكه الكثيرون، غير أبهين بالمخاطر الصحية التي قد تنتج عن هذه ” العادات “.

وقد عقد المؤتمرالأول الذي يعنى بهذا الشأن، في باريس في الفترة 2-3 شباط من هذا العام وحضره ثلة من كبار العلماء والأطباء والإختصاصيين تداولت فيما بينها عن كيفية ” تحسين الحياة ” وتقليل الأضرار الصحية على البشر في مجالات  عدة، كان أهمها مجال بعض العادات والحميات الغذائية كعوامل مسببة لأمراض القلب والشرايين، والتدخين كعامل أساسي في التسبب بأمراض الرئة وسرطانها بالإضافة لسرطان المثانة البولية.

وإذا أخذنا سرطان المثانة البولية مثالاً، فإنه مرض شائع عالمياً وخاصة في الدول المتقدمة حيث تبلغ نسبة الإصابة 3-4 مرات أكثر منها في الدول النامية (1) ولكن هذه النسبة بدأت تتغير في السنوات الأخيرة لصالح الإرتفاع في الدول النامية بسبب التغير في عادات التدخين وإنخفاض عدد المدخنين في الدول المتقدمة بالإضافة إلى حظر إستخدام الكثير من الكيماويات الصناعية التي قد تسبب المرض، كالمواد الأمينية المتطايرة 2). ويعد سرطان المثانة التاسع عالميا (3 ، 1 ) من حيث عدد الإصابات بين الذكور والإناث  معاً وسابع أكثر سرطان حدوثاً عند الرجل (1) وتبلغ نسبة الإصابة 10.1 حالة لكل 100.000 رجل و2.5 حالة لكل 100.000 إمرأة (1).

وتبلغ إحتمالية إصابة الرجال البيض في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا 4 % وعند النساء 1.2% (4). أما جمهورية مصر العربية، فإن لديها أعلى نسبة إصابات في العالم  بحيث تصل الى 37.1 حالة لكل 100000 نسمة، أخذين بالاعتبار أن السبب الرئيسي هو انتشار مرض البلهارسيا هناك (5). وتقدر الدراسات عدد الوفيات بسبب سرطان المثانة عالمياً بحوالي 145.000 حالة سنويا(5). ويعتقد العلماء بأن حوالي 2.7 مليون نسمة من سكان العالم يعانون في أي فترة زمنية ما من هذا النوع من السرطانات (3). ومع إنخفاض عدد المدخنين وحظر إستخدام الكثير من الكيماويات الصناعية في دول العالم الغربي، تتجه الأنظار إلى أفريقيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا(6،7) حيث يزداد عدد المدخنين هناك ولا يوجد بعد قوانين صارمة في  إستخدام الكيماويات الصناعية المحظورة في بعض دول هذه المناطق مما سيزيد من الإصابة بالمرض في السنوات القادمة، وهذا يعني أن وضع خطط مناسبة لمحاربة التدخين والسير بسياسات صارمة لمنع استخدام الكيماويات الصناعية سيقلل من حالات الإصابة  بشكل كبير جداً، تقدره دوائر الاختصاص العالمية بحوالي 50% (1).

وعليه، بدأ الكثير من المنابر والمراجع العلمية في العالم بالبحث عن آليات للوقاية من الأمراض المزمنة بشكل عام والأمراض السرطانية بشكل خاص.

وشملت هذه الآليات البحث في تحسين نوعية الغذاء والحميات الغذائية، التقليل من التلوث البيئي(8)، إلخ… بغرض التقليل من الأمراض المذكورة. وتعتبر سياسة “التوعية والتثقيف” سلاح مهم في يد العالم أجمع لمكافحة آفات كثيرة كهذه .

فأمراض القلب والشرايين مثلاً يمكن الوقاية منها إلى درجة كبيرة بالتوعية  بإتباع حميات غذائية صحية. وأمراض الرئة وسرطان المثانة البولية تظهر إنخفاضا ملموساً  في بعض دول العالم بسبب إتباع هذه الدول سياسات حكيمة في محاربة التدخين(8). ولذلك تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الحكومات والمجتماعات لوضع سياسات فعالة وحكيمة في هذا المجال .

ولكن للأسف فالإنسان هو عدو نفسه أحياناً. فالدراسات تقول أن لا يقل عن 5% من سكان العالم سيواضبون على التدخين. كذلك الكثيرون لا يأبهون بخطر الوجبات المشبعة بالدهون والحميات غير الصحية مثلا ً. وعليه، كان لزاماً على العالم أن يبتكر أساليباً تساعد، على الأقل، في التقليل من وطأة الضرر الحاصل من جراء إتباع هذه العادات اليومية.

ومن هذه الأساليب، نذكر ما تم ابتكاره منذ عدة سنوات في مجال التدخين بعد دراسات عدة حول آلية حدوث الضرر عند الإنسان جراء هذه العادة، حيث تبين أن إشعال السيجارة ينتج حوالي 6000 جزيء ضار على صحة الإنسان، منها 93 مسرطن! وعليه خلصت الدراسات في حينها على أن تسخين التبغ وليس حرقه سيقلل بنسب هائلة من إنبعاث هذه الجزيئات الضارة والمسرطنة مما سيكون له أثر كبير في التقليل من مضار التدخين. وهكذا، تمت صناعة السيجارة المسخنة إلكترونياً بحيث يستطيع المرء الحصول على ما “يحتاجه من نيكوتين” دون أن يتعرض لكم هائل من الجزيئات الضارة الناتجة عن الحرق. وفي دراسة مبدأية استمرت لمدة ستة أشهر على هذه التقنية، بينت النتائج الأولية نجاحها  في تقليل الضرر الناتج عن التدخين. ولا زالت الأبحاث مستمرة ليومنا هذا (9).

أما بالنسبة للغذاء، فإن ثقافات الشعوب وعاداتها الغذائية تتأثر يومياً وتتغيربصورة إيجابية بالتوعية البنائة بحيث يسعى الجميع  من أجل التقليل من مضار الغذاء غير الصحي.

لكن يجب أن ننوه إلى أن الوقاية الحقيقية والفعالة في محاربة الآفات التي ذكرت، هو بالتوقف عن ممارستها تماماً. وهو خير الحلول.

أخيراً : كل إنسان طبيب نفسه!

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى