حدث في الاردن .. أب يرفض تزويج بناته الاربع ليستحوذ على رواتبهن

لطالما رافقها حلم ارتداء فستانها الأبيض ، ولطالما رأت وجهها المزيون تنسدل عليه طرحة شفافة مزركشة ، تمتد لها يد فارس للتو فرغ من اجراءات عقد قرانها ، ليذهب محلقا بها الى عالم أسري تغمره السعادة ، ويفيض بالبهجة والفرح ، ولسان لا يكف عن الحمد .

غير انها سرعان ما كانت تستيقظ من هذا الحلم على صوت والدها الكهل، ذاك الصوت الذي يفتقد الدفء، وتغيب نبرات الحنان عنه ، بل انها احيانا تشعر به كصوت وحش يعمل على حراسة أميرات جميلات حبسهن منذ سنين في زنزانته.

“جواهر ” هذا اسمها الذي تعتز به ، وحينما بلغت ال49 عاما دون ان يوافق والدها على اي عريس تقدم لخطبتها ، كانت تواسي نفسها قائلة ” شأني شأن الجواهر والماسات كلما طال عمرها زادت قيمتها وارتفع ثمنها ” تبتسم للحظة عندما تردد ذلك ، ثم تعود وتخونها الدمعة فارة من عينيها الواسعتين الخضراوتين .

تقول “جواهر” : توفيت والدتي وانا في العاشرة من عمري ، والدي من قام برعايتي انا واخواتي الثلاث ، كرس حياته لأجلنا ، ورفض الزواج حتى لا يجلب لنا شريكة تحل مكان امي قد تسئ معاملتنا ، ولطالما عانى الفقر ، ولم يبق عملا الا مارسه حتى يوفر لنا حياة كريمة “.

“لاأنكر ابدا فضل والدي علينا ” تتابع جواهر حديثها ، ” والدي الذي افنى حياته لأجلنا ، والذي عمل جاهدا على تدريسنا في الكليات والجامعات ، حتى اصبح في يد كل منا مهنة ، ودخلا نضعه كاملا بين يدي والدي عرفانا بجميله ، ومن ثم يعمل هو على تقسيم وادارة المنزل ماليا، ويمنحنا المصروف ” تبتسم ،وتسترسل يمحنا المصروف كاننا لا زلنا طفلاته الصغيرات “.

“نحب والدي ونسعى الى اسعاده ” تضيف جواهر ، “وندرك اننا لو قدمنا عمرنا لاجله وفداء له لن نوفيه حقه ، كنا كذلك وسنبقى”.

وشرد خيال جواهر ، وتنهدت بحزن شديد ، وأحنت راسها الى الاسفل ، وقالت ” ولكن رغم كل ذلك هو يحرمنا من الزواج ، معتقدا اننا شئ يمتلكه ولا يرغب التفريط فيه “.
“بل انه يشعر اننا مصدرا للدخل يعوضه عن شقاء حياته لاجلنا ، ويعتقد ان ذلك حق له ، ونحن لا نمانع ، لكن قطار العمر بدا يفوتنا ، وان وقع له مكروه لا قدره الله ، او انتهى اجله ، فمن سيكون لنا السند !! ” تتساءل جواهر .
تتقاضى جواهر 450 دينار مقابل عملها في التدريس ، ويتراوح دخل كل شقيقة من شقيقاتها بين ال 200 الى 400 دينار ، والفارق العمري بينهن هو عام او عام ونصف ، اي ان اصغر شقيقاتها بلغت ال 45 من عمرها .
وتؤكد انه بمجرد تقاضيهن لرواتبهن ، يسلمنها كاملة لوالدهن بناء على طلبه ، ويستحوذ عليها كاملة، وفي اليوم الذي يتقدم فيه شاب لخطبة اي منهن يتحول الى يوم اسود ، فرفضه كثيرا ما كان يكسر قلوبهن ، وتحديدا حينما لم يكن هناك مبررا للرفض ، فهل يحق له ذلك !!!.

المستشار الأسري والشرعي السابق لوزارة التنمية الاجتماعية الدكتور منذر زيتون يعقب على ماسبق قائلا ل”السبيل” : “لا يجوز للأب أن يمنع بنته من الزواج، وخصوصاً من الرجل الكفء المناسب، وهذا ما يطلق عليه في الشرع العَضْل، وقد نص القرآن صراحة على حرمة ذلك ونهى الأولياء عن فعله، فقال الله تعالى في سورة البقرة: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف)، وقد نزلت الآية في أخ كان يلي أمر أخته، وقد طلقها زوجها حتى انقضت عدتها، ثم أراد أن يرجع إليها بعقد جديد فمنعها أخوها.”
وأضاف “منع المرأة م

ن زواج الرجل الصالح فيه فتنة وفساد، ذكره النبي الكريم إذ قال: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”، والفتنة هنا حرف الأمر عن مساره الصحيح وقلب الموازين السليمة إلى ضدها، فإن غاية الإنسان السوي أن يرتبط بزوج تتوافر فيه الشروط المناسبة التي تضمن له حياة طيبة هانئة”.

واسترسل زيتون ” وتدخل الولي لمنع ذلك سوف يؤدي إلى هضم حق المرأة في الزواج، وحقها في ممارسة حياتها بشكل طبيعي وتكوينها أسرة خاصة بها، وإنجاب الأطفال، والشعور بالأمومة. ومنعها من الزواج في الحقيقة هو منعها من نيل حقوقها تلك، ومن الطبيعي اعتبار أن منع الإنسان من حقوقه يجرده من قيمته الإنسانية، ويعرضه للشعور بالدونية والنقص”.

ويستطرد زيتون ” وقد يسعى بعد ذلك الحرمان إلى التمرد والتطاول على الثوابت والقيم التي التزمها طويلاً في سبيل إعلان رفضه لما يتعرض له، مما يؤثر على علاقته بمن حرمه من حقوقه ويحولها إلى علاقة مشوبة بالكراهية والعناد والاختلاف، فيواجهه في المقابل بمثل ما تعرض له، فيهضمه حقوقه ويرد عليه قسوته بقسوة وحرمانه بحرمان، فتصبح المودة والمرحمة مقت وعداء”.
“وأما الفساد فسيتحقق في الشباب وفي المجتمع، فالشباب من الذكور والإناث لن يجدوا إلا الطرق المذمومة للحصول على شهواتهم وأمنياتهم وخصوصا فيما يتعلق بالجنس الآخر، وقد ينتشر الخلق السيئ والسلوكات المحرمة، وبدوره فإن المجتمع سوف يتأثر كله بذلك، إذ سيكثر البغي والتطاول على الأعراض، وسيوجد أطفال خارج إطار الزواج المباح، وستتآكل الأخلاق وتضمحل الفضائل، وتضعف الأسر، وتقل المواليد، ويعاني المجتمع كله إذ ذاك معاناة كبيرة، كما هو الحال في كثير من المجتمعات اليوم التي حادت عن الزواج المباح، واعتاد الناس فيها على تصريف شهواتهم من غير إطار مشروع، فانتشرت الفواحش عندهم، وكثرت الأمراض، وقلت المواليد، وتفككت الأسر، وعانت مؤسسات المجتمع من نقص الإنسان” بحسب زيتون .
“ثم إن تسلط الأب على مال بنته، واشتراطه أخذ راتبها من العمل أمر مذموم، خصوصاً إن لم يكن محتاجا لمالها أو مال أبنائه عموماً، فيكون طمعاً وأكلاً للمال بغير رضا، والله تعالى حرم أكل المال بغير رضا، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يؤخذ من المال حياء سحتاً، والأصل أن الآباء عليهم أن يعفوا عن أموال أبنائهم، وعليهم أن لا يطمعوا بها، فالأبناء بحاجة إلى المال لبناء حيواتهم وتوفير احتياجاتهم، خصوصا مع قلة الموارد وارتفاع الأثمان، وعلى الآباء أن لا يعتبروا ما أنفقوا على أبنائهم في تنشئتهم دينا يجب أن يسترد، لأنهم ما أنفقوا إلا بأمر من الله تعالى، فإن النفقة واجبة من الآباء على أبنائهم، والله تعالى يأجرهم على ذلك، فخير النفقة ما كانت في فم الأبناء، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم لمن يضيع عياله، فقال: “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعيل”.

ويستفيض زيتون “في حالة العضل، فإن المرأة تستطيع أن تشكو أمرها إلى القاضي، وعلى القاضي أن يراجع أباها ويتفهم منه سبب عضله، فإن وجده محقاً في رفض زواج ابنته لعيب في الزوج كنقص في الخلق أو الدين أو عدم مناسبته لها، فيقره ويفهم الابنة السبب، وإن وجد أن ذلك مجرد تعنت وتحكم من الأب، فيستطيع القاضي أن يرفع ولاية الأب عن البنت في الزواج، ويقوم هو بتزويجها، بصفة ولايته التي تتفوق في هذه الحالة على ولاية الأب، وقد نص قانون الأحوال الشخصية الأردني على ذلك في المادة رقم 18، حيث قال: يأذن القاضي عند الطلب بتزويج البكر التي أتمت الخامسة عشرة سنة شمسية من عمرها من الكفؤ في حال عضل الولي إذا كان عضله بلا سبب مشروع. وفي حال أن كانت البنت ثيباً بالغة، فإن القانون نص على أنه لا أثر لعضل الولي، إذ تستطيع المرأة في هذه الحالة أن تتزوج بنفسها ومن غير موافقة وليها، فنص القانون في المادة 19 على أنه: لا تشترط موافقة الولي في زواج المرأة الثيب العاقلة المتجاوزة من العمر ثماني عشرة سنة”.

ويختم “يحتاج الناس لمثل هذه الحالة إلى التوعية والتعريف بأحكام الدين والقانون وإلى نشر ثقافة الحقوق والواجبات بينهم، ويحتاج الآباء والأمهات والمقبلون على الزواج إلى التأهيل الأسري الذي يوضح لهم كل ما يتعلق بأدوارهم الأسرية ووظائفهم تجاه بعضهم، ولا شك أن المسؤولية في ذلك تقع على المؤسسات التشريعية والتعليمية والإعلامية والدينية بشكل خاص، والتي لا بد أن تجعل من هذه الأمور مادة حيوية في أعمالها. إلى جانب أهمية أن تعمل الحكومات على تخفيف الضغوطات المالية عن الأفراد، وإلى التوسعة عليهم وخصوصا في أساسيات الحياة وما يلبي احتياجاتهم الأساسية فيها، حتى لا يلجأ بعضهم إلى سبل ممنوعة لتحصيل ذلك، فإن معظم المشكلات الاجتماعية مردها إلى الحالة الاقتصادية، ولو شعر الناس بالرخاء والسعة ما تسلطوا على بعضهم ولعذروا بعضهم، ولسارت الحياة بشكل أكثر هدوءاً واستقراراً وطمأنينة”.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى