لارا مصطفى صالح تكتب: “ربي عيالك”!

لا أعرف كيف أبدأ وأين أنتهي. (مش بيننا)
فالمقدمات والنهايات مسائل شكلية. لكني ممتلئة غبطة وتفاؤلا بصداقتها، فلم يأتني قبل تعارفنا وفي زحمة سنين العمر، التي أمضيتها محاولة التمييز بين “الطيب والقبيح والشرس” من جزم لي أن “الدنيا لسة بخير”.. الخير الذي بدونه يضمحل ويتلاشى بل ويزول أي معنى للصداقة.

لكزتني بكوعها، وأشارت إلى الطاولة المجاورة لنا في الكوفي شوب وقد اتخذت إحدى الشخصيات المؤثرة على منصات التواصل الإجتماعي مكانها ومن حولها عدد من صديقاتها.. كن أشبه بجوقة كورال مدرسية! كاميرات الهواتف النقالة تنتقل من كادر إلى كادر في مشهد تمثيلي مبتذل. وعبارات الترحيب المتتابعة تملأ سطح المشهد وتوصل فكرة النفاق دفعة واحدة.

مسلسل “جن” كان محور الحديث، وافتعال ضجة هامشية في المكان وتحويلها إلى قضية. والقضية لو كن يفقهن (إلهاؤهن وأمثالهن في هذه الظروف بقصة هاملة وتافهة) كما قال والدي. تحدثن باهتمام بالغ عن انطباعاتهن عن المسلسل وعبرن بمشاعرهن الملتهبة عن غيرتهن على أبنائهن!

– غيورة على أبنائها وعلى المجتمع هذه المؤثرة العبقرية! قالت صديقتي.
– أها! صديقتي الطيبة لا تعلم أن هذه الغيورة على أبنائها  وعلى المنظومة الأخلاقية في المجتمع، لما سئلت قبل ثلاثة شهور عن خططها العائلية في إجازة الربيع، ردت باستهتار مطلق: “ليش هم الأولاد عندهم اجازة؟ والله ما كنت عارفة!”. وأن جوقة المنافقات من حولها وزميلاتها في الاستهتار والتنظير … إحداهن اختبرت ابنتها آلام الحيض ولم تعرف هي إلا بعد شهرين، والثانية لا تعلم مكان المخيم الذي اشتركت به ابنتها ولمدة ثلاثة أيام، والثالثة لا تصحو قبل الواحدة بعد الظهر ولا تعلم متى يغادر ابنها صباحا إلى مدرسته والرابعة أخفت عن زوجها أن خادمتها تحرشت بابنهما أثناء لعبها معه وهذا ما أظهرته كاميرات المراقبة مشكورة، كي لا يجن جنونه فيقوم بتسفيرها وتبقى هي بلا خادمة، واكتفت بعقابها. والخامسة تسافر في العام مرات عدة تاركة أبناءها المراهقين بلا رعاية. والسادسة، لم تتوانى عن تقديم شكوى بحق معلمة ابنتها كون الأخيرة فضلت صديقة ابنتها على ابنتها في بعض المهام الصفية مما زعزع نفسية ابنتها، ولم تدرك أنها بتصرفها ذلك عززت في نفس ابنتها حقدا وأنانية، أما السابعة والتي كانت أكثرهن انتقادا للغة المسلسل البذيئة، معروفة بلسانها البذيء بين صديقاتها وتسمى بينهن ب “أم لسان”!

ولست أراهن جديرات سوى بجملة سعيد صالح لروحه السلام في مسرحية العيال كبرت …(ربي عيالك… ربي عيالك….الله لا يسيئك.. اسكتي … اسكتي… وكلي عيش)!

– أدهشتني ردة الفعل منهن! ما هذه الإزدواجية؟ قالت صديقتي.
– ولم الدهشة؟ تخيلي نفسك في حفل يغني فيه “حكيم” مثلا، سيتساوى الحديث مع الصمت آنذاك. يكفي يا صديقتي في هذه الأيام أن يكون المرء منافقا، ولديه القدرة على التنظير، ومتعنتا ومتعالياً بعض الشيء والأهم (حافظ مش فاهم)، كي يتفوق على الآخرين فيهللون له. تناقض يبعث الحيرة في النفس!

– تنهدت وقالت بصوت عميق: يا الله ما هذه الحياة!
– “وجودنا كله مر… مر.. يا الله ما أشد مرارته”! بهذه الكلمات اختصر الراحل تيسير سبول الحياة.
– كيف مات؟ سألتني.
– فرط اليأس والخذلان أنهك روحه ودفعه لإنهاء حياته برصاصة في الرأس…هنيئا له!
– مجنونة! بتحسدي الميت على موته؟
– بل أحسده على جرأته.. لو كان عاش حتى هذه اللحظة ربما كان سيصاب بجلطة قبل أن يحظى بنشوة تلك الرصاصة وبشرف ذلك الاختيار!
– كيف تتخيلين آخر لحظة في حياته!
– أتخيل دمعة اتخذت مكانا قصيا في عينه، لكنها أبت السقوط. دمعة، لا تروي عذابات ولا بطولات إنما خدوش كانت آثارها محفورة مثل وشم على جدار قلبه!

في تلك اللحظة، كانت السماء قد أعلنت ولادة الليل، ذلك الكتف الذي أتكأ عليه عادة إذا ما شعرت بالضيق.

– أشعر بالضيق وبالجوع. قلت.
– أطلبي وتمني. قالت.
– زهرة باللبن! أجبت.
– زهرة ب شو؟
– اللبن… لبن جميد.
– لم أسمع بها قط، صدقيني!
– إنه طبق لا يعرفه ولا يدرك قدسيته سوى أبناء قرى القدس والخليل!
– متأكدة أنت؟ زهرة باللبن؟ هي أكلة من بلادي؟
– وتغري بتأمل الحياة من جديد! آه والله.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى