مع إثبات فعالية سياسة “الحد من الضرر” المتبعة في المملكة المتحدة التدابير الصارمة المتعلقة بالسجائر الإلكترونية تعاكس جهود مكافحة التبغ وتهدد الصحة العامة لمدخني السجائر التقليدية

عندما يتعلق الأمر بالمنتجات الخالية من الدخان، تأتي أعداد المشككين بأية مزايا أو فوائد تعود من هذه المنتجات، لتكون أضعاف المصدقين.

الحقيقة أن هذه المنتجات وبرغم احتوائها على النيكوتين، تشكل بدائل قد تكون أقل ضرراً في حال ما تم التحول إليها للمساعدة على الإقلاع عن تدخين المنتجات التقليدية القابلة للاحتراق، والإقلاع عن التدخين نهائياً في الكثير من الحالات، الأمر الذي يستهلك محاولات كثيرة، إلى جانب اللجوء إلى استخدام عدد من منتجات الإقلاع عن التدخين ومنتجات النيكوتين كطريقة قد تعزز من فرص النجاح في هذا الأمر.

قد تعلو أصوات المعارضين للمنتجات الخالية من الدخان هنا للإشارة إلى أن للنيكوتين ما له من أضرار، لكن الحجة القائمة على العلم تقول أن السبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين هو العناصر الكيميائية التي تنتج عن حرق التبغ، ما يجعل البدائل التي تعمل على التسخين والتبخير مع مجموعة أقل من المركبات والمواد المكونة خيارات أفضل.

وهنا، ستزداد الأصوات المعارضة بداعي أن هذه المنتجات لا تسهم في دعم جهود مكافحة التبغ، مع تنامي المطالبة بزيادة القيود على تداولها واستخدامها، تماماً كما يحدث الآن في العديد من الدول كالولايات المتحدة الأميركية وضمن عدة ولايات من ولاياتها.

في هذا السياق، فإن مقالة حديثة حملت عنوان: “البرهان، التحذير، والجدل الدائر حول السجائر الإلكترونية” وألفها عدد من الأكاديميين الصحيين، نشرتها مجلة “Science” وهي دورية علمية تصدر عن الجمعية الأميركية لتقدم العلوم،، متضمنة رداً على المعترضين على السماح باستخدام المنتجات الخالية من الدخان على طريق التحول عن التدخين التقليدي من أجل الإقلاع عنه مستقبلاً.

ويحذر مؤلفو المقالة من تدابير تقييد الوصول للمنتجات الخالية من الدخان غير المزورة، وعدم فتح المجال أمامها بشكل مشروع في الوقت الذي لا تزال فيه المنتجات العاملة على الاحتراق مشروعة، كون هذه التدابير لا تحمي الصحة ولا تعزز التحول عن التدخين التقليدي.

ويقول مؤلفو المقالة أن السجائر الإلكترونية أثبتت أنها أكثر فاعلية كأداة محتملة لمساعدة المدخنين البالغين في الإقلاع عن التدخين من العلاج ببدائل النيكوتين الطبية، وأن النكهات التي تستخدم في هذه السجائر تلعب دوراً في مساعدة هؤلاء المدخنين على تحقيق هدفهم بالإقلاع عن هذه العادة في وقت لاحق بعد استخدامها، مبينين انخفاض معدلات التدخين خلال السنوات التي ارتفعت فيها نسبة الإقبال على السجائر الإلكترونية القانونية، مع عدم وجود أدلة بالبرهان القاطع على أي ارتباط بين إتاحة السجائر الإلكترونية وبين استقطاب غير المدخنين.

وفيما يتعلق بالإصابات الرئوية المرتبطة باستهلاك السجائر الإلكترونية في أميركا والتي تم الإبلاغ عنها عبر مركز مكافحة الأمراض والوقاية CDC، فيعزي مؤلفو الدراسة حدوثها وحسب نتائج التحقيقات بعد الإبلاغ، لاستخدام سوائل للمنتجات محتوية على مركب (رباعي هيدروكانابينول THC) وهو المركب الرئيسي النشط في القنب أو مواد مخدرة أخرى، أو محتوية على ذات المركب المضاف إليه (خلات ڤيتامين هـ/ زيت ڤيتامين إي إسيتات) المشتبه به الرئيس في التداخل مع وظائف الرئة الطبيعية مع عدم استبعاد العديد من المواد الكيميائية الأخرى، أو لاستخدام منتجات تم الحصول عليها من جهات غير موثوقة.

ويلفت مؤلفو المقالة لضرورة توعية المستهلكين حول تأثيرات استخدام مركب THC المضاف للنيكوتين مقابل تأثيرات استخدام النيكوتين فقط، لما لذلك من أهمية في الاستجابة للأمراض، ولمنح المدخنين البالغين الحق في الوصول لبدائل قد تكون أقل ضرراً، من تلك الخاضعة للتنظيم ومساندتهم في اتخاذ قرارات حكيمة.

وتدعو المقالة إلى إيجاد التوازن المثالي بين تشريع المنتجات الخالية من الدخان والمبني على سياسة الحد من الضرر برصد الإيجابيات والسلبيات وإجراء المفاضلة بينها وبين تأثيرات استخدامها ونتائجه على المدى من أجل المصلحة العامة.

وتنتهج المملكة المتحدة سياسة “الحد من ضرر التبغ” كاستراتيجية إضافية لحماية المدخنين من التعرض للعجز والوفاة في سن مبكرة، وذلك عبر الحد من استهلاك السجائر التقليدية بتشريع المنتجات الخالية من الدخان مع بنية تحتية تنظيمية تضمن أن تكون المنتجات المتاحة أقل ضرراً بمراقبتها ورصدها.

وبفضل هذه السياسة، تمكن عشرات الآلاف من البريطانيين ممن تحولوا إلى السجائر الإلكترونية، من الإقلاع عن التدخين كلياً بفعل استخدام هذه البدائل، وهو الأمر الذي أكده أحد تقارير لجنة مجلس العموم للعلوم والتكنولوجيا البرلمانية في بريطانيا حول السجائر الإلكترونية والمنتجات التي تسخن التبغ بدلاً من حرقه.

وكان هذا التقرير قد خلص إلى أن السجائر الإلكترونية ليست مدخلاً للتدخين، وأنها لا تؤدي إلى تطبيع عادة التدخين، مع ترجيح الوصول لمحاولات إقلاع لدى استخدامها في فئة المدخنين مع عدم إنكار إمكانية حدوث بعض الضرر بسبب الاستخدام الطويل المدى لها نظراً لاستنشاق مكونات أخرى غير النيكوتين، مع ترجيح أن يكون الضرر أقل بكثير من ذلك الناتج عن تدخين التبغ.

وتشير المقالة مع هذه المقارنة بين الدولتين إلى ضرورة إرساء بنية تحتية تنظيمية في الولايات المتحدة، مماثلة لتلك السائدة في المملكة المتحدة للسيطرة على سوق السجائر الإلكترونية، تساعد في إبقاء المنتجات الخالية من الدخان بعيدة عن المراهقين وتوفر بديلاً للمدخنين البالغين للتحول إليها، مع وضع اللوائح اللازمة للحد من الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن استخدامها، على أن لا تتجاوز هذه اللوائح منع تطوير واستخدام المنتجات التي تحد من الضرر باتباع منهج متزن يسعى لضمان مأمونية المنتجات خاصة في ظل التطورات التكنولوجية ومعايير الإنتاج المحسنة، والتي يمكنها الحد من الخطر وتشجيع مدخني السجائر التقليدية على اتخاذ قرارات مستنيرة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى