لانا مامكيغ تكتب / حكاية حب…

لماذا اختارَها هي دون الأخريات حوله؟ لم يعد يذكر، وكيف تحوّلت الزّمالة بينهما إلى صداقة لم يفهم، لكنّه يعرفُ تماماً كيف انجذبَ إليها… لم يكن في شكلها ما يلفت النّظر، لكن كانت شخصيّتُها تتوّهج حين تتحدّث، مع مسحةٍ آسرة من الحياء الأنثوي الذي سحرَه دون أن يدري، معادلةٌ معقّدة لم يجدها في الأخريات حوله رغم جمالهنّ الظّاهري، وتودُّدهن المُعلن… فتعلّقَ بها دون أن يدري، ودون أن تبذلَ من جهتها أيَّ جهدٍ في هذا الصّدد!

ابتدعَ مناسبةً عائليّة حتى تتعرّفَ عائلتُه عليها، فرآها تسلّمُ عليهم بمودّة في الوقت الذي كانت قريباتُه تتبادلن النّظرات فيما بينهن، ثمَّ لتقتربَ منه إحدى شقيقاته فتهمس له بحنق: “ألم تجد غيرها؟ ألف واحدة تتمنّاك… ما بك؟” ولم يرد، بل بقي مأخوذاً بمراقبتها، حتى أدهشه التفافُ الأطفال حولها بشغف، ودخولها معهم في حوارٍ بدا له جادّاً!

تزوّجها وسط حالة الاستهجان التي عمّت الأسرة، ليمتدَّ هذا الاستهجان ويصبح ظاهرةً في جميع المناسبات التي كانا يحضرانها معاً، فيرى النّظراتُ تتنقّلُ بينه وبينها لتنتهي بابتساماتٍ ذات مغزى… وبات على يقين أنّها تلاحظُ ما يحدث، وتعرف وتُدرك ما يجري حولهما، وكان يُؤلمه صمتُها، إذ لم يحدث أن عبّرت له عن استيائها، بل ظلَّ يدهشُه تماسُكها وقدرتُها على التّعامل مع الآخرين بالدّماثة ذاتها رغم الاحتجاج الصّامت، والاستنكار السّاكن في العيون، والسّؤال الذي كان يرتسمُ على الوجوه… كيف يرتبطُ رجلٌ مثله بامرأةٍ مثلها!

أمّا حياتُه معها، فسارت بإيقاعٍ استثنائيّ غريب، إذ كثيراً ما سمعها تُحادث النباتات في فناء البيت، حتى ضبطها تُعانقُ شجرةً عتيقة ذات مرّة… وكثيراً ما كان يرتفعُ صوتُها بالغناء وهي تطهو… ولم يكن يعلّق، بل كان يُخفي ابتسامته ويمضي!

اعتادَ على التّفكير أمامها بصوتٍ عال، ورغم ما مرَّ بهما من عثراتٍ ماليّة، وضغوطاتٍ مختلفة، لم يلحظ أنّها فقدت قدرَتها على إشاعة حالةٍ من الطمأنينة والسّلام حوله دون تكلّف، كانت تساعدُه على تجاوز همومه مهما تعقّدت… كانت بسيطةً في سلوكها، وفي ردودِ أفعالها، وفي تعاملها مع التفاصيل اليوميّة.

مرّت مدّة، فرزقا بابنة… لتصله تعليقاتٌ موجعة من أسرته مثل: “الله يستر ما تطلع شبه أمّها!”

ولم يمضِ عام، حتى نادى عليها ذات صباح، فلم تُجب… مضت بهدوء، مضت هكذا دون مقدّمات!

لفّ السّوادُ أيّامه، واجتاحَه شعورٌ باليتم… بالفقد… بالفراغٍ المفزع الذي حوّل قلبَه إلى كتلةٍ من غمٍّ مستديم!

مرّت سنوات، فتعالت الأصوات من حوله: “إلى متى ستبقى هكذا؟ حان الوقت لأن تنسى، وترتبطَ أخيراً بمن تُناسبك…”

ولم يكن ينبسُ بكلمة، بل يكتفي بضمّ الطفلة وهو يدعو الله في سرّه أن تكبرَ لتصبحَ نسخةً عن أمّها!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى