الملك ومنصة كورونا ٠٠٠٠ بقلم الكاتب والدبلوماسي نايف بن بندر السديري

أطل الملك سلمان على العالم هذه المرة من منصة كورونا التي أصبحت الأكثر شهرة ليس في هذا العصر وحسب بل عبر كل العصور التي ذاقت فيها البشرية مرارات الحروب، وقسوة الجوع وموجات متفاوتة من الأمراض الوبائية، خلفت ذكريات أليمة. إطلالة الملك سلمان لم تكن عابرة، بل دائمة. تؤسس لحضور فاعل لبلاده من خلال ترؤسها مجموعة العشرين هذا العام. ميزتان تتحلى بهما شخصية الملك، الأولى: شخصيته وفهمه العميق للتاريخ مما يمكنه من اختيار الوقت المناسب لدخوله وكتابة فصوله بمهارة. وميزته الثانية: خياله السياسي الخصب الذي لا يعرف الحدود أو القيود التي طالما حدت من إنجازات القادة. تلك الميزتان يضاف إليها طاقم فريق العمل العالي المهنية، المحيط بالملك بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كان حضور ملك المملكة العربية السعودية منذ انتشار جائحة كورونا لافتاً بكل المقاييس على الصعيدين الداخلي والخارجي. سلسلة من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس على المستوى الوطني صاحبها زخم الكلمة التي ألقاها الملك يوم 20 مارس الماضي ثم تبعها بحزمة من القرارات امتصت أثر الأزمة على الناحية الاقتصادية. على الصعيد الخارجي بادر بمد يد العون إلى الصين في بداية انتشار المرض، تبع ذلك بتقديم دعم مالي سخي قدره عشرة ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية خصصت لمكافحة الفيروس، ثم امتد هذا الدعم للأشقاء في اليمن وفلسطين لمواجهة الوباء. توج الملك هذه المبادرات بالدعوة لعقد قمة افتراضية – غير مسبوقة – لمجموعة العشرين برئاسته، عبر الملك عن هموم العالم بأسره حين قال قبل انعقاد القمة ” في هذا الوقت الحرج الذي يواجه فيه العالم جائحة كورونا المستجد التي تؤثّر على الإنسان والأنظمة الصحية والاقتصاد العالمي، نجتمع مجموعة العشرين في قمة استثنائية، للخروج بمبادرات تحقق آمال شعوبنا، وتعزز دور حكوماتنا، وتوحد جهودنا. لمواجهة هذا الوباء حمى الله العالم من كل مكروه”. تمخض عن القمة تعهد زعماء المجموعة بضخ خمسة ترليونات دولار في الاقتصاد العالمي للحد من انكماشه، إن هذه الخطوة الكبيرة تحسب بامتياز للملك سلمان. إن الأدوار المرجحة التي تلعبها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان، دفعت القوتين العظميين في العالم, الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية للانخراط في حوار موضوعي مع الملك لإيجاد صيغ توافقية لحث الدول المنتجة للنفط للقيام بمسؤولياتها، والالتزام بها في سبيل استقرار الأسواق البترولية، ودعم الاقتصاد العالمي المتداعي بسبب أزمة كورونا.

إذا كان وباء كورونا المستجد ألحق أضراراً جسيمة بالعالم أجمع والمملكة جزء من هذا العالم، وبالتالي فقد لحقها الضرر بشكل أو بآخر، إلا أن المملكة أظهرت مهاراتها القيادية بشكل لافت، وما أدهش العالم حقاً في هذه الأزمة هو الحرص والرعاية الحانية من القيادة السعودية نحو مواطنيها سواءً في الداخل أو العالقين في الخارج. فهي لم تكتفِ بتقديم الغذاء والدواء لهم في هذا الظرف الحرج. بل عززت ثقتهم بهذا الكيان الشامخ بقدرتها على التكيف مع الوباء بمقاربات خلاقة.

كاتب ودبلوماسي سعودي

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى