العجارمة يجيب عن سؤال : لماذا يمنع النشر ؟

اجاب الوزير الاسبق ورئيس ديوان التشريع والرأي السابق الدكتور نوفان العجارمة عن سؤال : لماذا يمنع النشر في بعض القضايا وذلك من خلال صفحته من فيسبوك وتاليا ما نشر :

كلما صدر قرار بمنع النشر في قضية ما تطرح عشرات الأسئلة حول ذلك، لماذا يمنع النشر؟ وهل حجب المعلومة عن الرأي العام ضروري؟ وهل الحجب يشكل قيدً على حرية التعبير المكفولة بموجب الدستور؟ وما هو الأساس القانوني لهذا الحظر؟
للإجابة على ذلك لابد من إيضاح جملة من الأمور تشكل أساساً جوهرياً لفهم هذا الموضوع والاجابة على الأسئلة المتقدمة:
اولاً: حرية التعبير ضرورة لكل مجتمع : تعتبر الصحافة( بكافة أنواعها بما فيه الصحافة الالكترونية) أحد روافد حرية الرأي والتعبير، وتحتل منزلة مهمة في النظام الديمقراطي، فلا قيام للديمقراطية بدون حرية للصحافة، فالصحافة رئة الشعوب تتنفس من خلالها، وتعبر عن فرحها وآلامها، فمن خلال صفحاتها نغضب ونسعد ونعلن عن رضانا أو رفضنا من خلال تحقيق أو مقالة أو دراسة، وتسخر الشعوب من حكوماتها وإدارتها من خلال الكلمة الساخرة، و الكاريكاتير الساخر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أكسجين متوفر من حوله ، كذلك الصحافة لا تستطيع أن تعيش بدون حرية التعبير وتحرير إرادة الكلمة فالصحافة ضرورة لا غنى عنها لأي مجتمع ديمقراطي يسعى للتقدم والرخاء والاستقرار، ويهدف ويرنو إلى احتلال مكانة سامية بين دول العالم المتحضر.
ثانياً: وبالرغم من هذا الدور العظيم والمهم لحرية الصحافة في أي نظام ديمقراطي – في العالم – إلا أن هذا لا يعني أنها حرية مطلقة بلا حدود: فالأصل المستقر في الأنظمة الديمقراطية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة بلا قيد، وإلا انقلبت فوضى وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة وحريات الآخرين، وقد تؤدي إلى العديد من الأضرار والاضطرابات التي تهدد كيان الدولة وبقاءها، كما تهدد الأفراد أيضا في حرياتهم وحقوقهم، لذلك كان لا بد من تنظيمها ووضع ضوابط تكفل ممارستها حفاظاً عليها وعلى المجتمع وأفراده في آن واحد.
ثالثاً: انطلاقا من هذا الفهم:
1. فقد وضعت المادة (15) من الدستور الأردني حداً وسقفاً لحرية التعبير وهو القانون حيث تنص على: (تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بحرية القول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون) فالقانون وهو الذي حدد الإطار الموضوعي لهذه الحرية.
2. كما تنص المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: ((1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2. إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.3. يستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة)) أي ان هناك ثمة قيود تمليها المصلحة العامة على حرية التعبير سواء تعلقت هذه القيوم بحقوق الآخرين أو سمعتهم او حماية للأمن القومي أو النظام العام في الدولة.
رابعاً: حظر النشر حق تملكه النيابة العامة بموجب القانون: حيث أجاز المشرع حظر النشر في أي قضية قيد التحقيق لدى النيابة العامة بموجب المادة (39) من قانون المطبوعات والنشر حيث تنص الفقرة (أ) من تلك المادة على: (يحظر على المطبوعة نشر كل ما يتعلق بأي مرحلة من مراحل التحقيق حول أي قضية أو جريمة تقع في المملكة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك)). كما اعتبرت المادة (12) من قانون انتهاك حرمة المحاكم رقم (9) لسنة 1959 نشر أي معلومات-بشأن أي قضية قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية – جرماً يعاقب عليه القانون.
خامساً: من خلال النصوص المتقدمة نجد بأن حظر النشر يهدف الى تحقيق أحد الأمرين التاليين:
1. احترام الحق في الخصوصية : يأبى الإنسان بطبيعته الاجتماعية الحيّة أن يتدخل أحد في شأن من شؤونه الخاصة، ولكل فرد منا حياته الخاصة التي لا يمكن أن تكون مكشوفة دون محرمات، فالإنسان يعيش مع ذاته أحياناً ويعيش مع أسرته أحياناً أخرى في هدوء وسكينة، ويتوجب على الآخرين احترام هذه الخصوصية، وهذا ما يعبر عنه بالحياة الخاصة للإنسان والتي تشمل أيضاً» الحق في السرية المهنية ، وسرية المراسلات والمحادثات، حرمة المساكن وحرية الاعتقاد والفكر، المسألة العاطفية والعائلية، والروحية والمالية ..الخ «، وهي من المظاهر الاجتماعية الضرورية لكل إنسان. وجزءاً لا يتجزأ من الوجود الإنساني تجب حمايته بكل قوة من التعسف والاعتداء أياً كان الشخص المعتدي وبغض النظر عن المعتدى عليه أو الوسيلة المستعملة في الاعتداء. ومع التطورات العلمية المذهلة والمتسارعة، أصبح الإنسان عارياً ومكشوفاً، وبات بالإمكان وفي أي وقت تتبع حياة الفرد بكل تفاصيلها، مع الاعتراف بأن موضوع الحياة الخاصة فكرة مرنة وغير محددة، فما يعد من الحياة الخاصة للفرد في الاردن قد لا يكون كذلك في الدولة الأوروبية مثلا، وما يعد من الحياة الخاصة في زمن مضى قد لا يكون كذلك الآن او في المستقبل القريب ، كما ان الحياة الخاصة للمشاهير تختلف عنها بالنسبة للأشخاص العاديين، وتختلف أيضا باختلاف القيم والعادات والتقاليد السائدة في كل المجتمع . ان حماية الحياة الخاصة لا تكمن في حمايتها دستوريا او قانونيا، وإنما في حمايتها الفعلية من تجاوزات الصحافة من نشر دقائقها وتفاصيلها وهي قيد التحقيق، لذلك يتوجب على الصحافة ان تحترم هذا الحق وتحرص عليه، وحرصها على حق التعبير وحق الحصول على المعلومة، و لا يجوز ان تضحي الصحافة بهذا الحق او تنتقص منه تحت أي ذريعة من الذرائع، فحرية الصحافة ليست مطلقة، وإنما يحدها أمران مرتبطان هما: أمن المجتمع وسلامته و حرية الأفراد وحقوقهم وأعراضهم. كمان ان خوض الصحافة في الحياة الخاصة للأفراد ونشر تفاصيلها لا تهم الرأي العام في شيء ولا فائدة أو جدوى من نشرها سوى المساس بحقوق الناس، وكشف عوراتهم، وانتهاك خصوصيهم، و إيذاء مشاعرهم، الأمر الذي تعين معه على الصحافة عدم الخوض في هذه التفاصيل وهي قيد التحقيق.
2. الحفاظ على سرية التحقيق: حتى يتم في جو خال من المؤثرات، توصلاً لانبلاج الحقيقة في الجرم موضوع الاتهام ، وقد أشارت إلى ذلك المادة (11) من قانون انتهاك حرمة المحاكم واعتبرته جرما يؤثر في سير العدالة فبعض النشر من شأنه التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في أي دعوى مطروحة أمامهم أو في رجال النيابة العامة او غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق وفق احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق وقد يؤدي الى منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الشأن والتأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق او ضده ، لذلك حظر النشر في مثل هذه الحالات يصب في المصلحة العامة ويحقق العدالة .
أي ان مصلحة المجتمع هي المعتبرة في موضوع النشر من عدمه، ماذا كانت هناك مصلحة للمجتمع من النشر كان النشر أجدر بالرعاية واولى بالحماية، اما اذا كان عدم النشر وحماية الحياة الخاصة لا يتعارضان مع مصلحة المجتمع كان عدم النشر الأولى بالرعاية و الأجدر بالحماية، كل ذلك يدخل في السلطة التقديرية لمصدر القرار سواء كانت النيابة العامة أو محكمة الموضوع .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى