في الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين .. إنجازات تحققت والنصر يحتاج لقيادة شبابية متمكنة وواعية

* عبدالحميد الهمشري
انتفاضة تشرين في العراق العربي كشفت المخبأ والمستور من تواطؤ العدو الصهيو أمريكي إيراني وتهافتهم نحو إنهاء وجوده كدولة فاعلة في المجتمعين الإقليمي العربي والإسلامي والدولي ، وانكشفت قصة هذا التهافت والتواطؤ من الحال الذي آل العراق إليه بعد احتلاله وتسليمه لعصابات أطلقت عليهم شركاء العملية السياسية صاغوا لهم دستوراً مرتباً على مقاسات إيران ، فحولوه لخرائب ومسرح مليشياوي تمكن أعداء الأمة من خلالهم أن يرتعوا في مرابعه وسلب ثرواته وتمزيق لحمة شعبه وهدر بناه التحتية وتسريح جيشه وقواه الأمنية لتمكين انفصاليي الكرد وانعزاليي الطائفية المقيتة من أعوان إيران والعدو الصهيوني والأمريكان من بوابة العرب الشرقية ، وهؤلاء جميعاً أشبه في تكوينهم بعصابات زعار الحشاشين وقطاع الطرق التي كانت تتحكم في خرائب إيران في عصر ما قبل الغزو التتري الذي انهى تلك الخرائب وزعارها ، وهذا الحال نال اهتمام المستشرقين الأوائل منذ بزوغ فجر النهضة الأوروبية والانكماش العربي الإسلامي جراء سياسة القطيع التي استشرت خلال فترة الحكم المملوكي والتركي حل خلالها الجوع والجهل والمرض وسيق الشباب إلى ساحات الوغى في حروب عبثية لا جدوى من ورائها سوى تفريغ الأرض من بناتها خاصة خلال القرنين الأخيرين من الحكم العثماني..
المستشرقون رسموا دروب الهيمنة لممالك الغرب الأوروبي ومن ثم الأمريكي بأقل الخسائر ، وقدموا توصياتهم التي تبقي أهل المنطقة في حالة ضياع ودون توافق ، بطبيعة الحال أسهم رجال الإقطاع في تثبيت ما رسموا دفاعاً عن مصالحهم التي تتناقض مع حرية وعزة الأوطان.. وما زال الوضع رغم مرور ما يزيد على القرن من الزمان من تخلص العرب من هيمنة الدولة العثمانية وما بين القرن ونصف القرن على الاستقلال والحال من سييء إلى أسوأ بل ويجري التآمر على من يرغب بالسير في ركب الحضارة والنهضة وبمقابل مصالحهم يجري التنازل عن الثوابت المتعلقة بطهر الأرض العربية خاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا وفلسطين وقدسها مسرى رسولنا الكريم.
المستشرقون قدموا توصياتهم بعد تجوال مضن طافوا البلاد شرقا وغرباً وتنقلوا في سهولها ووديانها وجبالها وصحاريها وما زالت تلك التوصيات تسهم في تمزيق الجسد العربي والإسلامي ، بطبيعة الحال ابتدعوها من خلال ما توصلت إليه تجاربهم وكانوا بالفعل رجال استخبارات قرأوا وأوصوا ومكنوا شعوبهم من ترتيب أمورها لقرون تلت ولا ننسى ما صنعه لورانس العرب وكلوب في الشرق العربي ، المشتشرقون أدركوا مدى خطر الكيان الفارسي إن قدر له الميلاد من جديد في تنفيذ أحقاده ضد العرب والعودة من جديد لحكم المنطقة المتاخمة لحدودهم من العراق حتى باب المندب ومن الموصل حتى الجنوب اللبناني . خاصة بعد أن تمكنوا من شرذمة الواقع العربي بتحويل الولايات العربية المتناثرة فيه إلى دول ونجحت في زرع فكرة كل قطر منها كقومية مستقلة تدافع عن مكتسباتها القطرية رغم تغنيهم بوحدة الهدف واللغة والمصير فرفع كل منها شعار أنا أولا وقبل الجميع وهذه من المصائب الكبرى التي ألمت بنا فاليهود المفرقين في مختلف دول العالم ويمثلون جنسيات مختلفة بعدد الدول المنتمية للمنطمة الدولية جمعهم كيان واحد ونحن تفرقنا التغني بأنا هذا ما نجح به أعداؤنا أن يوصلونا إليه..
فالجسد العربي جرى تمزيق شرايينه رغم علم الجميع أن العرب إذا ما انحازوا لانفسهم فازوا وفرضوا ارادتهم على الاخرين لكنهم في ظل انحيازهم لغيرهم تاهوا في الشتات ونالت منهم ضباع الأرض وذئابها لا أسودها لأن الأسود لا تطرق إلا أبواب الأسود كما فعلوا بالعراق قادوا الحملة ضد نظام حكمه ولما احتلوه بعد أقل من عامين قرروا الرحيل بفعل ضربات الأسود لكن سلموه لإيران لتنال منه وشعبه وفق ما تريد .
وأمام تمادي إيران في تنفيذ أجنداتها الذي تعتبر فيها العراق جزءاً منها ونشرها للخراب والدمار والقتل في ربوعه وتقاسمها لثرواته مع أمريكا والصهاينة وعصابات زعارها وانفصاليي الكرد ، انطلقت انتفاضة سلمية بتظاهرات ترفض التدخل الأجنبي والطائفية وتنادي بعراق موحد وحر مستقل وقد جرى الترتيب لهذه الإنتفاضة التي ما زالت مستمرة منذ الفاتح من تشرين الأول / أكتوبر 2019 بين مجموعات من الشباب العراقيين على الشبكات الاجتماعية ، لكنها جوبهت برد فعل دموي من قبل قوات الأمن الحكومية، ومليشيات الأحزاب السياسية الدينية التابعة لإيران باستعمال الرصاص الحي والقنص وقاذفات قنابل الغاز من مسافات قريبة ضد المتظاهرين بمبررات لا منطقية كون مطالبهم تتناقض مع الاحتلالين الأمريكي والفارسي والطائفية المقيتة حيث قدموا منذ انطلاقة انتفاضتهم ولغاية الآن المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعتقلين والمفقودين وما زالت انتفاضتهم مستمرة وعاقدين العزم على مواصلة المسير فيها حتى تحقيق الانتصار وعودة العراق بفعالية إلى المجتمع العربي والاسلامي والدولي والوقوف بصلابة أمام الأطماع الفارسية والصهيو انجلو أمريكية.
لكن مسلسل الجرائم توالى بمجازر لا تعد ولا تحصى يجري تصفية النشطاء الأهم من بين صفوفها أو اعتقالهم أو اختطافهم ، وكانت أبرز تلك المجازر .. مجزرة القناصة أو مجزرة الأيام الستة خلال الموجة الأولى من الانتفاضة وسقط خلالها أكثر من مائة شهيد أغلبهم في بغداد ومدينة الناصرية ومجزرة كربلاء ومجزرة جسر الزيتون في الناصرية ، ومجزرة السنك والخلاني ببغداد ومجزرة حي الثورة .. وما زال مسلسل المجازر والاغتيالات مستمراً تقوم بها مليشيات الأحزاب الموالية لإيران.
صحيح أن الانتفاضة حققت إنجازات مهمة لكن الأمور ستبقى منفلتة وعائمة حتى عودة كل مكونات الشعب العراقي إلى حضن الدولة العراقية الوطنية التي ترعى كل شأن عراقي لصالح الوطن العراقي وأمته العربية التي ينتمي إليها منذ الأزل ، فمن الانجازات التي تحققت جراء المشاركة الواسعة من الشعب العراقي تمكن المتظاهرين من السيطرة على أغلب مدن وسط وجنوب العراق وشل الحياة فيها تقريبا ، وخاصة الناصرية التي نجحوا فيها باحتلال مقر قوات أحزاب مليشيات إيران وإجبار قيادتها على إطلاق سراح المعتقلين ، أعقبها التمكن من إسقاط حكومة عبد المهدي ، ومن ثم الحصول على موافقة إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة ، فإسقاط الانتخابات الحزبية وقانون الانتخاب السيء الصيت المعمول به منذ الـ 2003 ، لكن تبقى المماطلة واللف والدوران من شركاء المحاصصة الطائفية قائماً وتبقى إيران هي الموجه لمليشيات الأحزاب التابعة لسلطتها وما زال التعرض للنشطاء بالاعتقال والاغتيال والاختطاف قائماً.. والمتظاهرون السلميون العراقيون على قناعة تامة بأن الحفاظ على استمرارية الانتفاضة وسلميتها وتصعيد زخمها السلمي هو الطريق الوحيد نحو الانتصار الكامل على زيف النظام الطائفي المرتبط بإيران وقمعه الدموي.
فالإنتفاضة الشعبية أطلقها شباب واعٍ ، مؤمن بحرية الوطن واستقلاله ولم شتاته الذي مزقه نظام قائم على المحاصصة الطائفية والاعتماد على أحزاب مرتبطة بالخارج ومليشيات تحكمها مافيات ، رافعاً شعار أنا نازل اخذ حقي ، واريد وطن ، فحقق بفعل هذا التفاني والصدق مع الوطن التفاف جموع الشعب من حوله ضد عملاء ايران، وضد الطائفية والفساد، وعملية سياسية يديرها جهلة الادارة والسياسة، يساندهم رجال فاسدون لايريدون الخير لشعب العظيم
وأستطاع الشباب من الجيل الجديد الواعي في انتفاضته الباسلة من اسقاط الطائفية كمبدأ منظم للسلطة السياسية، فواجهوا رد فعل عنيف من سلطة عاجزة عن التحرر ، وميليشيات مجرمة، ورغم بشاعة القتل والتعذيب والاختطاف والاعتقال.. الا انهم حققوا الكثير من الأهداف والمكاسب تصب في اعادة اللحمة الوطنية للشعب العراقي، والتفاف جميع شرائح المجتمع بكافة طوائفه وانتماءاته حول الثورة وأهدافها وطموحاتها وأصبح الشعب العراقي وحدة واحدة من المد الثوري والانتفاضة الجماهيرية .. وبدحر الطائفية المذهبية التي أتى بها الاحتلال الأمريكي ورعاها النظام الإيراني، وقد وحدت هذه الانتفاضة أهداف وطموحات ومطالب الشعب الواحد، وأسست لرؤية فكرية واضحة المعالم ، وقدمت برنامج عمل سياسي ، وسياقات لعمل ثوري منظم ، وفتحت بذلك افاقا لميلاد عراق جديد خالي من التفرقة والتمييز بين المواطنين وبعيد عن خطاب الكراهية، فالجماهير الواعية حاضنة الانتفاضة العملاقة ، وراء استمرار شعلتها حتى تحقيق الانتصار رغم مؤامرات طوابير سدنة المحتلين وأعوانهم من الخامس حتى الحادي عشر فالانتفاضة تحولت إلى ثورة تمثل ضمير الشعب الذي لا بد له وبفضل هؤلاء الشباب العبور إلى جسور سلم مجد الوطن ورفعته والنصر دوما يجسده الثوار حماة الديار ورعاتها .وللتسريع في تحقيق الأهداف المأمولة لا بد من العمل على كسب المزيد من فئات الشعب إلى ساحات النضال ودعم الانتفاضة الشبابية والشعبية والعمل الجاد و السعي لبلورة وبروز قيادة شبابية للانتفاضة السلمية ومواصلة دورها في استمرار الانتفاضة وتعبئة القوى حولها بما يسهم في وحدة الإرادة والعمل بتوحيد القوى وسيرها الحثيث على طريق إنجاز المهمات وتحقيق النصر .

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى