هكذا يخططون .. وهكذا نعينهم على التنفيذ بالإكراه أو عن طيب خاطر بقلم عبدالحميد الهمشري

هكذا يخططون .. وهكذا نعينهم على التنفيذ بالإكراه أو عن طيب خاطر
* عبدالحميد الهمشري
لقد شدتني لدرجة كبيرة دراسة صادرة في العام 1988 عن معهد “فان لير” الصهيوني في القدس والمتخصص في الدراسات الإستراتيجية تحمل عنوان “إسرائيل على مشارف القرن الـ21″ ، وبمتابعتي لمجريات الأحداث منذ ذلك الحين أيقنت أن ما وصلوا إليه ليس بحسن تدبيرهم بقدر ما هو إسهام عرابينا في دعم نجاح تخطيطهم لكن أمام ثباتهم على كل ما يرسمونه دون الزحزحة عن أي من بنوده قيد أنملة .. فما ثبته ترامب في صفقته التصفوية لشعب فلسطين والقضية الفللسطينية اعتمدت اللاءات العشرة التي وردت في الدراسة والتي جاء فيها : لا للانسحاب الكامل إلى حدود 1967 ، لا لتقسيم القدس ، لا لسيادة عربية كاملة على المسجد الأقصى ، لا لدولة فلسطينية ذات استقلال كامل ، لا لإيقاف عمليات الاستيطان أو تفكيك المستوطنات ، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين ، لا لتحالف إستراتيجي عربي يضم بعض أو كل دول المواجهة والعمق العربي ، لا لامتلاك أي دولة عربية برنامج نووي ، لا لأي خلل في الميزان العسكري القائم حالياً بين العرب والكيان العبري ، لا لحرمان الدولة العبرية من مطالبها المائية في الأنهار العربية .
الدراسة مدار البحث حددت الغايات والأهداف القومية لدولة الاحتلال والتي تبنتها كما ذكرت صفقة ترامب ومن قبله خطوات البوشين الأب والإبن فكلينتون وأوباما .. وكان لإصرار شارون ومن بعده نتنياهو مربط الفرس في تنفيذ ما جاء فيها بحذافيرها دون الحياد عنها كما ذكرت ولو قيد أنملة .
الدراسة أكدت أن إقامة ” إسرائيل الكبرى ” ذات الهوية اليهودية النقية، كقوة إقليمية عظمى مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط هو الهدف القومي الأعلى لقيامها ولتحقيق ذلك وفي ضوء ما تبنته الرسمية العربية فيما أطلقت عليه عملية السلام فإن عليها أي الدولة العبرية السعي من خلال معاهدات ترسيم الحدود بضم ما يمكن من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967، والتي تحقق وفق وصفها متطلبات أمنها من وجهة النظر الجيواستراتيجية ، وبما يكفل لها الحصول على مصادر مياه إضافية ، وفرض شرعيتها على تلك الأراضي ، مع إخلائها من السكان العرب حفاظاً على الهوية اليهودية ، وتحقيق ذلك يتم من خلال الردع الوقائي والانتقامي المتواصل، وتأمين عمليات الضم والاستيطان وتهويد الأراضي، والتحكم في المنطقة الشرق أوسطية سياسياً واقتصادياً وثقافياً ، وهذا ما كان وتحقق في صفقة ترامب التصفوية للقضية الفلسطينية.
فاستراتيجيتها المعتمدة تقوم على ضمان ديمومة بقاء الدولة العبرية في الشرق الأوسط داخل حدود آمنة معترف بها دولياً، وفي ظل تفوق حضاري وعلاقات عميقة مع جيرانها العرب ودول الجوار الجغرافي الأخرى، وبما يؤمن السيادة لها على المنطقة سياسياً واقتصادياً، ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة مجاورة لها، ويضع الكيان الفلسطيني في مناطق حكم ذاتي تحت هيمنة يهودية مباشرة عسكرياً، وغير مباشرة سياسياً واقتصادياً. هذا مع تهويد المناطق التي سيتم ضمها لدولة الاحتلال الصهيونية من خلال تكثيف الاستيطان وتقليص التواجد العربي فيها إلى أدنى حد، والسعي إلى مد السيطرة العبرية بأساليب مباشرة وغير مباشرة إلى منابع أنهار الأردن وجنوب لبنان وجبل الشيخ، مع السعي للحصول على حصة ( 0.8 مليار م3) من مياه النيل في إطار التعاون الإقليمي مع مصر.
واستمراراً لهيمنتها لا بد لها من الاحتفاظ بتفوق عسكري كمي ونوعي في المجالين التقليدي وفوق التقليدي على جميع الدول العربية، وبما يمكنها من تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، وتفعيل سياسة الردع ببعديها النفسي والمادي وفرض إرادتها على المنطقة، ومع الاستعداد للجوء للعمل العسكري المباشر قبل حدوث خلل في الميزان العسكري لغير صالحها ، أو خرق الترتيبات الأمنية المتفق عليها، أو عند ظهور بوادر لشن عمليات عسكرية شاملة أو محدودة أو استنزافية من جانب أعداء دولة الاحتلال، أو وجود دلائل تهدد بكسر الاحتكار النووي لها في دائرة مجالها الحيوي، مع السعي لزيادة قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي في التسلح ، وامتلاك قدرات ردع تقليدية وفوق تقليدية متنوعة، وذات مصداقية وعلى درجة عالية من التأهب، قادرة على تدمير أية قوات مسلحة أو تنظيمات ترى أنها إرهابية وتعني بها تنظيمات المقاومة المناوئة لهذا الكيان الغاصب، وذلك بالاستعداد لتوجيه ضربات وقائية واستباقية على الدوام داخل أرض الدول المعادية وهذا ما يحصل في سوريا والعراق ولبنان والسودان وغيرها من المناطق التي تقدر وجود مناوئين لها فيها ، مع الاستعداد أيضاً لاستغلال نجاح العمليات القتالية لأقصى حد وطبقاً لظروف المواقف التي تنشب في حينه، وبما يخلق أوضاعاً إقليمية جديدة تؤمن لها الحصول على المزيد من الأراضي والموارد الطبيعية، وتنقل حدودها إلى خطوط جديدة يمكن الدفاع عنها والتمسك بها.
مع الحفاظ على استقرار وتنمية الاقتصاد الصهيوني باستثمار الإمكانات الذاتية والمساعدات الخارجية على الوجه الأمثل، دون إغفال بسط السيطرة على اقتصاديات دول المنطقة بأساليب مباشرة وغير مباشرة، وفتح أسواق جديدة للكيان العبري في جميع دول العالم، هذا مع تأمين حصولها على المزيد من الموارد المائية والنفطية والمعدنية، وبما يمكنها من استيعاب مزيد من يهود الشتات.
مع استمرار نقاء الجنس اليهودي، وذلك بزيادة حجم القوة البشرية وتحسين نوعيتها من خلال استكمال هجرة يهود العالم للكيان العبري باستجلاب (10) ملايين يهودي في الشتات وتشجيع زيادة النسل اليهودي، وتقليص التواجد العربي في فلسطين المحتلة وتقوية روابط التماسك الاجتماعي والقضاء على الصراعات والتناقضات العرقية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تسود المجتمع اليهودي، ومواصلة العمل على إحياء الحضارة اليهودية بإعادة بعث الروح اليهودية الدينية في المجتمع العبري، وإعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى باعتباره الهدف الأسمى ليهود العالم، والقادر على توحيدهم والتفافهم حول الدولة العبرية . وذلك من خلال تنشيط الثقافة والتاريخ اليهودي في نفوس الشبيبة اليهودية، وبالتقدم والرقي في كافة المجالات العلمية، وزيادة نفوذ اللوبيات وجماعات الضغط الصهيونية في الدول الكبرى وتقوية النفوذ اليهودي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية، مع العمل في ذات الوقت على زرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت والتحزب الفكري في البلدان العربية ، وبما يؤدي إلى زيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، والقضاء على فكرتي القومية العربية والتضامن الإسلامي وإحلالهما بفكرة التعاون الإقليمي الشرق أوسطي، وتوظيف الأصولية الإسلامية وأيديولوجيات الأقليات في المنطقة لصالح الكيان العبري وهذا ما هو حاصل في الكثير من البلدان العربية خاصة في سوريا ولبنان واليمن وليبيا.
وحول إستراتيجية الدولة العبرية لتحقيق أهدافها القومية فإنها تعمل لتنفيذ غاياتها وأهدافها من خلال إستراتيجية ذات مستويين، أعلى تطلق عليه (الخطة الكبرى)، و أدنى يعالج ما تطلق عليه (مشاكل الأمن الجاري).
الكبرى منها ترسم إستراتيجية تنفيذ الغايات والأهداف العليا بعيدة المدى، والتي تسعى دولة اليهود لتحقيقها طبقاً لمراحل زمنية خمسية وعشرية .
والأدنى (مشاكل الأمن الجاري) خاصة بالساحة الفلسطينية فهي ترسم أسلوب التعامل لتأمين دولة الاحتلال الصهيونية في كيانها الحالي، وما تحتله من أراضي عربية، ومواجهة مشاكلها الأمنية الآنية.
يقابل ذلك إستراتيجية (الردع) التي تسعى من خلالها إجبار الخصوم على الكف عن العمل (بخطتهم الكبرى) التي تستهدف القضاء على دولة الاحتلال واستعادة كل فلسطين، وإجبارهم على اتباع سياسات وإستراتيجيات متواضعة وأقل طموحا في تعاملهم معها ، وذلك لأنه من وجهة نظر استرتيجييها فإن تخلي خصوم هذا الكيان الدخيل عن العمل (بخطتهم الكبرى) لفترة زمنية طويلة سيؤدي تلقائياً إلى إسقاطها من حساباتهم نهائيا، وهو ما نجحت في تحقيقه فعليا من خلال عملية السلام التي بدأت في عام 1993وهي الآن تجني ثمارها بعمليات التطبيع المتسارعة في المنطقة العربية بفعل وسائل الضغط والخداع العبرية وبفعل الضغوط الأميركية السياسية والاقتصادية يضاف لها تصدير الاضطرابات والمتاعب إلى الجبهات الداخلية في الدول العربية، من خلال عملائها حيث نجحت من خلال كل ذلك في إجبار العرب على سلوك هذا الدرب المشين.
الدولة العبرية سعت من خلال استراتيجيتها المتعلقة بتنفيذ الغايات والأهداف القومية اليهودية على المدى الطويل عبر مخططات أربعة :
الأول منها اعتمد بلقنة الصراع العربي العربي لتكريس حالة التجزئة العربية وتعميقها نحو مزيد من التفتت إلى دويلات صغيرة ومتناحرة تقوم على أسس عرقية وطائفية ومذهبية وذلك باستغلال مشاكل الأقليات المنتشرة في العالم العربي والتي تدعو إلى الانفصال والاستقلال، أو الالتحاق بدول أخرى غير عربية في الدائرة الإقليمية تشكل القومية (الأم) بالنسبة لبعض الأقليات، وعجز بعض الحكومات العربية عن حل هذه المشاكل، هذا بالإضافة إلى استغلالها للخلافات العرقية والمذهبية والطائفية وتغذيتها بإثارة النعرات الانفصالية التي تؤدي إلى حروب أهلية، وأبرز الأمثلة على الدور الذي تلعبه بهذا الخصوص: الحرب الأهلية في لبنان، والحرب الانفصالية في جنوب السودان، وثورة الأكراد في شمال العراق والأحزاب والفصائل الموالية لإيران ، وثورة البربر في الجزائر، ومحاولات الفتنة الطائفية في مصر.. وهذه تتوافق مع مخططات الزعيم الصهيوني (جابوتنسكي) صاحب الحركة التصحيحية في الثلاثينات من القرن الماضي، والتي دعا فيها إلى إقامة (كومنويلث عبري) تكون فيه إسرائيل القوة الإقليمية العظمى، والتي تدور في فلكها دويلات عربية مقسمة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية. ومخططات (برنارد لويس) أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة برنستون في كتابة (رهينة الخوميني)، ومشروع بن غوريون لتقسيم لبنان سنة 1954.
الثاني اعتمد مخطط شد الأطراف والذي يعتمد نهج إقحام الدول العربية المتواجدة في أطراف الوطن العربي في صراعات جانبية مع دول أخرى غير عربية في دائرة الجوار الجغرافي، وذلك بهدف جذب هذه الدول العربية ومن ورائها دول القلب العربي خاصة مصر إلى صراعات جانبية بعيداً عن الصراع الرئيسي بين العرب والدولة العبرية ، وقد تمثل ذلك حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، وفي النزاع القائم بين سوريا وتركيا الذي تؤججه اتفاقيات التعاون الإستراتيجي بين تركيا والكيان العبري الذي يدعم تركيا كذلك في عملياتها العسكرية شمالي العراق، والنزاعات القائمة بين السودان وإثيوبيا.
الثالث : تكثيف الاستيطان لتكريس الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية وبصفة خاصة القدس الشرقية وكذلك في الجولان واستكمال تهويد الأراضي في هذه المناطق، وبما يخلق أمراً واقعاً يصعب تغييره في المستقبل، أو حتى التفاوض بشأنه. وبحيث تشكل هذه المستوطنات أرضا رحبة لاستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود، وبما يخفف وطأة المشكلة الديموغرافية التي تعاني منها دولة الاحتلال الصهيوني، ويخلق حافزاً للتدخل العسكري العبري مستقبلا ضد المناطق العربية، حتى في حالة انسحاب القوات العبرية منها في إطار التفاوض حول مستقبل الأراضي المحتلة، كما هو الأمر في مدينة الخليل وحتى في القدس .
الرابع : الترانسفير ويعتمد تفريغ المناطق المحتلة التي تقرر ضمها للدولة العبرية من أصحابها الفلسطينيين بأساليب الترغيب والترهيب، وبما يسهل ضمها لدولة الاحتلال.
وفي الختام العرب أطلقوا لاءات ثلاثة في الخرطوم لكنهم لم يتمسكوا بها حيث انفرط عقد هذه اللاءات برحيل صاحبها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فخلفه من سار على عكس ما كان يريد ويدعو إليه وبخلاف ما كان ينتهجه شهيد يوم الحج الأكبر المهيب والمهاب صدام حسين وما ينتهجه رفيق دربه القائد عزت إبراهيم حفظه الله ورعاه والذي ينادي بتكثيف جهود الأمة للقضاء على الخطر الداهم والقادم من العدوين الصهيوني والفارسي اللذين يتصارعان على اقتسام مناطق النفوذ بالمنطقة العربية برعاية أمريكية .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى