علي فريح أبو صعيليك يكتب: تفكك الإتحاد السوفيتي، تجربة مستنسخة لنهاية قريبة للكيان الصهيوني

م. علي فريح أبو صعيليك

في مثل هذا اليوم من عام 1991 اجتمع ممثلو 11 دولة من مكونات الإتحاد السوفيتي ووقعوا ما يسمى “بروتوكول ألما آتا” نتج عنه إعلان رابطة الدول المستقلة وكذلك الإعلان عن حل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (1922-1991) وإنهاء وجوده من الناحية القانونية وهو ما تم فعلا بعد ذلك الإعلان بخمسة أيام وتحديدا بتاريخ 26/12/1991 في نهاية طبيعية لإتحاد بٌني على الفكر الإشتراكي ولكنها لم تستطع صناعة تجانس بين مجموعة دول من قوميات وأعراق وديانات مختلفة جذريا.

 

أسس قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين -الذي تتلمذ على فكر ماركس وأنجلز- الدولة السوفيتية بمساعدة ليون تروتسكي، وبلغت مساحتها سدس مساحة الكرة الأرضية وضمت خمسة عشر جمهورية هي أرمينيا، أذربيجان، إستونيا، أوزبكستان، أوكرانيا، بيلاروسيا، تركمانستان، جورجيا، روسيا (الدولة المؤسسة)، طاجيكستان، كازاخستان، قيرغيزستان، لاتفيا، ليتوانيا، مولدوفا.

 

إنهيار الإتحاد السوفيتي جاء عقب العديد من الأحداث أبرزها حركة البريسترويكا وهي حركة إصلاح سياسي جريئة داخل الحزب الشيوعي التي قادها الزعيم السوڤيتي ميخائيل گورباتشوڤ وقد أحدثت ثورة كبيرة على نمط الفكر الإشتراكي وقد كانت تهدف لإعادة هيكلة النظام السياسي والاقتصادي السوڤيتي نحو الفكر العلمي والديموقراطي وسعت نحو مفاهيم جديدة لمبادئ العدالة الاجتماعية والإتجاه نحو النظام الاقتصادي المستقل والإنفتاح على النظام الرأسمالي وإحداث تغييرات جذرية على النظم الإجتماعية والثقافية والقومية.

 

إضافة للبريسترويكا كانت هنالك العديد من العوامل التي ساهمت في الإنهيار منها الإنقسامات الدّاخلية التي لَحقت بجيوشِ الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة وتبعاتها المادية والعسكرية وسباق التسلح وضعف الحكومة المركزية وفساد السلطات.

وبالنسبة للكيان الصهيوني اللقيط، ومنذ نشأته، إعتمد في وجوده على الدعم الكامل من الحركة الصهيونية العالمية ممثلة بالقوى الكبرى وخصوصا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وخلال العقد الأخير من الزمن تغيرت كثيرا أحوال هذه القوى الكبرى، وأصبحت تعاني كثيرا من أزماتها الداخلية وخصوصا الإقتصادية.

مؤخرا صرح وزير خارجية أمريكا “مايك بومبيو” بوضوح أن أزمة الولايات المتحدة مع الصين وصلت إلى مستوى تهديد وجود أمريكا، وهذا مؤشر على عمق الأزمات التي تعاني منها أمريكا وعجزها عن مجاراة صعود التنين الصيني.

وإستجدت مؤخرا أزمة “القرصنة الإلكترونية” للمؤسسات السيادية الأمريكية والمتهم بها الدولة الروسية وهذه الأزمة قد تكون مؤشر لما هو قادم من أحداث كبيرة.

المتابع لما يحدث في أمريكا لا يجد صعوبة في فهم الأزمة الداخلية العميقة التي تعانيها، وخصوصا منذ إستلام ترامب لنظام الحكم وحجم الفوضى الإدارية التي وصلت ذروتها وضوحا بالنقد الذي وجهه له البنتاجون حول أزمة “القرصنة الإلكترونية” وحجم الإنقسام الداخلي في النسيج الإجتماعي بعد سوء إدارة الدولة للعديد من الأزمات العرقية منها التعامل مع المهاجرين وأيضا ازمة التمييز العنصري مع المواطنين من أصول أفريقية.

ما قام به الرئيس الجديد “بايدن” من تعيينات وخصوصا في منصب نائب الرئيس للسيدة “كامالا هاريس” ذات الأصول هندية والجامايكية ولمنصب وزير الدفاع ” لويد أوستن” تصب في إتجاه يمكن تفسيرة بمحاولات إصلاح قد تكون متأخرة لأخطاء جذرية إرتكبها “ترامب”.

أصبحت الولايات المتحدة (وهي ولايات متعددة العرقيات والأديان والقوميات) في صراع وجود بتنامي قوة التنين الصيني الذي أطلق مشروع “الحزام والطريق” الذي يبدأ من الصين ويصل إلى أوروبا عبر سيبيريا وبدأت بوادره من خلال إغراق بعض الدول في الديون حتى وصلت الصين لمرحلة السيطرة الكاملة على إقتصاد بعض الدول فعليا.

العقد الحالي من الزمن “2020 لغاية 2030” سيكون حاسما في وجود الكيان الصهيوني المتربط وجوديا ووظيفيا بوجود وقوة الولايات المتحدة، فخسارة الولايات المتحدة لصراعها لمصلحة الصين قد ينتج عنه زوال الكيان الصهيوني، خصوصا أن الأيديولوجية الصينية تختلف جذريا عن الفكر الديمقراطي الأمريكي، كلاهما وبال على العرب، ولكن الفارق هنا هو محور الحديث وهو وجود او زوال الكيان الصهيوني ومدى إرتباطه بهذا الصراع.

بالعودة للإتحاد السوفيتي المنهار، فإن قراءة أحداث التاريخ تعطي مؤشرات لكيفية زوال الدول والكيانات ومدى فرصتها في الإستمرارية والحياة، فالإتحاد السوفيتي وصل من العظمة شيئا كبيرا جدا وكان مع الولايات المتحدة يسيطرون على كوكب الأرض، ولكنه خلال أقل من مئة عام إنهار واختفى عن الوجود، وهو نفس الطريق الذي تسير فيه الولايات المتحدة في العقد الأخير، وهكذا هي دورة الحياة، ولن يكون الكيان الصهيوني الصغير أقوى من إمبراطورية السوفييت التي إختفت عن الوجود.

ما يجدر الحديث عنه في الختام، هو الأمة العربية وهي التي تنقلت خلال القرن الماضي مابين الحضن السوفيتي الإشتراكي والحضن الأمريكي الديمقراطي وكلاهما لا يعمل إلا وفق مصالحه، ولذلك فإن مئة عام من فقدان الهوية العربية بكافة تفاصيلها الدينية والتاريخية هي فترة زمنية كافية لكي نتعلم ونخرج من جلباب “قوى الإستعمار” ونرتكز على مصادر قوتنا المتوفرة فعليا وهي ما عمل العالم الغربي على تفتيته وطمسه ولكنه لم ينجح لغاية الأن في نزع تلك الهوية العربية الجامعة وخصوصا بين الشعوب.

 

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى