المطاعم الشعبية تروي جزءاً من ذاكرتنا الأولى

تبقى تلك المطاعم الشعبية تحتل جزءاً من ذاكرة زماننا وتشكل جزءاً آخر من ذاكرة الاماكن التي غادرناها وغادرتنا ولكنها ظلت هناك في بقايا ذاكرة الصبا الأول.

ولعل المطاعم الشعبية تروي جزءاً من ذاكرتنا الأولى. وذاكرة حارة وقرية ومدينة وصباحية جمعة وناس مع صحون فارغة تصطف حول المطاعم فول، حمص، مسبحة، قدسية، وفلافل؛ فالحمص والفول كان بلدي بطعم وعبق بخاره القادم من «لقن» نحاسي بماء يغلي وجاط نحاسي تهرس به حبات الحمص مع إضافة الملح والطحينة وملح الليمون والليمون والتتبيلة وزخرفة صحن الحمص بحبات حمص وشطة حمراء ناعمة وكمون وقليل من البقدوس والرونق الرائع وراديو قديم يصدح بأغان صباحية :يا فجر لما يطل منور بلون الفل صحي عيون الناس محبوبي قبل الكل.

نعم فالناس تصحو على حارة جميلة ورغيف خبز بلدي من قمح بلادنا مشروح من فرن موجود بكل حارة ولمة عيلة وطبلية ومونة بيتية لبنة جبنة تطلي وصحن حمص وفول وأبريق شاي كبير الحجم بلون أزرق نيلي أو المنيوم وكاسات شاي مضلعة بشاي فرط حلو المذاق عنوانه الفراشة أو الولد سيلاني المولد وضحكة وبسمة وزيت زيتون عجلوني بكر. الله كم كانت الدنيا حلوة وجميلة بصبحها ومسائها، ومطاعم في الزرقاء وعمان واربد والكرك متشابهة بناسها وعاداتها بقيت بالذاكرة مثل مطعم ابو اكرم، ومطعم حسن، وأحمد، وابو وجية، وفلفلة وفلافل بيت الدرج بالزرقاء ومطاعم عمان مثل مطعم الأمانة بجانب مكتبة أمانة العاصمة وبجانبه مخبز يصنع خبز التنور ومطعم هاشم بتلك «الزاروبة» وتلك الجلسة الجميلة وحبات البصل والفجل والتصليحة وكذا مطعم فؤاد ومطعم ابو صطيف القديم بماركا وطعم الحمص الشهي ومطعم ابو محجوب باللوبيدة وابو جبارة القديم بجبل عمان وغيرها، كان ثمن الطبق الواحد لا يتجاوز المئة والخمسين فلساً والخبز مع البيعة يأتيك ساخناً شهياً يسبح الخالق .. . وتظل لمطاعم صبانا وشبابنا الاول نكهة هي نكهة زماننا البسيط الذي كان زماناً بلا عقد وزمن القناعة وكان زماناً منفتحاً قادراً على التعايش والتفاهم والتسامح.. وكان قادراً على المحبة الجميلة والاصيلة التي اشاعت دفئاً في القلوب وطمأنينة في النفوس.

منقول من موقع جريدة الدستور الرسمي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى