رجل بألف ذاكرة

رامي الجنيد- ظل يُراودني ذات السؤال المُحير كثيرًا، «كيف لرجلٍ فاقد الذاكرة أن أظل أنا الوحيد العالق في رأسه، وكلّما شاهدته يسألني متعمدًا وعلى مسمع الجميع»:
– أنت من سرقت ولاعتي قبل خمس سنوات يا لص، حينَ كنا في اجتماع مع رئيس البلديةِ ولقد استثمرت حضور المتصرف ودسستها في جيبك.
مع أنّني حاولت أقناعه بأنّني لست مدخنًا ولا أحمل في جيبي ولاعة وأنّني لست مضطرًا لذلك.
وحين شكوت أمره لصديقي صاحب الدكان الذي لا يخفى عليه لا شاردة ولا واردة في القرية، أخذ تنهيدة ثم أخبرني على الفور:
– لا شك أنه بارعٌ في تصفية حساباته مع الآخرين، وأكثر ما أدهشني كيف يتكئُ على مرضهِ، فكلما شاهدني يقول لي:
– أنا لا أنسى كيف وقفت ضدي حين ترشحت لعضوية البلدية، فأنا من أطلق على زيتك بأنه مغشوش، وأنا أيضًا من أطلق إشاعة على دكانك بأنها مليئة بالفئران والجراذين.
وفي كل مرة يستغل دُخول زبون يفتش سترته ثم يصرخ بأعلى صوته لقد دفعت لك خمسة دنانير واشتريت عُلبة سجائر ولم تُعِد لي الباقي دائمًا تفعلها معي وتنبهني زوجتي منك يا رجل متى ستترك هذه العادة؟ مع أنهُ لم يشترِ عُلبة من دكاني، ومن أجل اكتفاء شرّه أصمت.
سادت لحظة هُدوء وأنا أُفكر بما يفعله بنا هذا الرجل والذي ما زال يمارس الانتقام فينا واحدًا تلو الآخر، أعجبتني طريقة هذا الرجل الماكر الذي يتسلى بنا. لحظتها قُمت من مكاني وعلى الفور رُحتُ أفتش جيوبي:
ــــ أين عُلبة السجائر، أين الولاعة، أين باقي الخمسة دنانير، أين.. أين.. أين..؟
وفي تلك الأثناء خرج صوت لم أستطع تحديده هل هوَ من صدري أم من ظلي أم أنه آخري الشخصي أم أنها مرآتي؟ بدأ الصوت يهمس في أُذني:
– وها أنا استطعت أن ـهزمك ولقد تسببت لك في حالة من الهستيريا منذُ أكثر من خمس سنوات وأنا أُطاردكَ من مكان إلى آخر، أنا في كل مكان حتّى داخل حُلمك، أُنظر إلى نفسك في المرآة ستجدني.
بدأ الصوت يختفي تدريجيًا حين علا صوت رنين الهاتف:
– ألو مرحبا أنا طبيبك يجب أن تحضر في الحال فحوصاتك المخبرية وصلتني قبل قليل فهيَّ ليست جيدة، ولديك نقص حاد في فيتمين B12 فأنا خائفٌ عليك ألو ألو.. ألو.

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى