ثقـــافــــة دراسَة المُستقبل.. مَدْخلٌ تأصيلِيّ

عِلمُ الإدارة مِن العلوم القديمة قِدَمَ الإنسان، أخذ أشكالًا وأنماطًا مُتعدِّدة تختلفُ باختلاف العصور والأنشطة، وهو حصيلة ُ تجاربٍ وخبرات مُتنامِيّة للاستفادة مِن الطاقات والموارد المتاحة – البشرية منها على وَجْهِ الخصوص – للوصول إلى أهدافٍ مُحَدَّدَةٍ بأسرع وقتٍ ممكن، وأقلَّ جُهدٍ مبذول، وأقلّ تكلفةٍ مُمكنة.

فعِلمُ الإدارة وسيلة من وسائل ضبطِ العمل وإتقانه وتوجيهه الوُجهة الصحيحة، ولهذا قال الكاتب «فورست» في تعريف الإدارة : «إنها فنّ توجيه النشاط الإنساني».

ويعتمدُ الفكر الإداري لبناء أيّ عملٍ – من أيّ نوعٍ كان – على العناصر التالية :

1 – التخطيط 2 – التنظيم 3 – التوجيه 4 – الرّقابة والمتابعة

فالتخطيط أحدُ العناصر المُهمّة لإنجاح أيّ عَمَلٍ بشريّ، وهو يعني : التصور المستقبلي المبني على الدراسة والتحليل للوقائع والإحصائيّات الثابتة للعمليات المستقبلية، ويكون عادة قبل التنفيذ.

ويشملُ التخطيط ما يلي : رَسْمَ الأهداف العامّة والخاصّة، دراسة المستقبل (التوقع)، رَسْمَ السياسات واللّوائح، تحديد الجداول الزمنيّة للتنفيذ، دراسة الموازنات المالية المتوقعة.

فالتخطيط – إذن – وسيلة مِنْ وسائلُ بناء العمل على الدراسات والأبحاث العِلمِية، وليس على أساسِ العواطفِ والرّغبات الشخصية، وبه يُعرفُ الإنسان إلى أين هو ذاهب.. وما الطرق التي سوف يسلكها.. والوسائل التي سوف يستخدمها..!

وبهذا يتبيّن أنّ دراسة المستقبل أحَدُ العناصر الرئيسيّة لنجاح التخطيط، حتى أنّ الكاتب « فايول» اختزلَ عِلْمَ الإدارة كُلّه ُفي هذا العنصر تاكيدًا لأهميته وحيويته، فقال في تعريف عِلم الإدارة: « بأنه النظر إلى المستقبل».

إنّ الدّعوة إلى ثقافة «الانتماء» من أجلِّ وأشرف الأعمال التي تقوم بها الأمّة، وهي من أوْلاها بالتخطيط والدّراسة، وما لم تُبْنَ بناءً عِلْمِيًّا صحيحًا، وتُرْسَم لها الخُطط العِلمية والعملية فإنّها سوف تبقى ذات أثرٍ محدود الفاعلية زمانًا ومَكانًا، ولا يكفي أن يكون العمل ناجِحًا في مرحلةٍ ما من المراحل، ولكن من المُهمِّ أن نُحافظَ على ذلك النّجاح ونُنمّيه بصورةٍ مُطّردة.

إنّ سِعة الأفق والنّظر إلى المستقبل تجْعَلُ الإنسان يُدركُ تمامًا : ماذا.. ومتى.. وكيف يعملُ، فهو يتحرّكُ برؤيةٍ واضحةٍ وخُطى مرسومةٍ.

إنّ مِمّا يُعين في نجاح المستقبل؛ دراسة وتقويم التجارب بكُلِّ تجَرُّدٍ بعيدًا عن التعَصُّبِ لها أو ضِدّها، والحَذرُ مِن عُقدَةِ التفرُّدِ والتميُّز، والتي تُؤدّي إلى الدّوران حوْلَ الذات واعتقاد الكمال (الزّائف!) وتقزيم التجارب الأخرى…!

إنّ دراسة الإمكانات والقُدرات المتاحة المتوظّفة والمُستثمَرَ حاليًّا، أو التي يُمكن توظيفها مُسْتقبلًا يُنمي ثقافة الانتماء ويُحييها بين الشعوب والشباب؛ بطريقةٍ مُهذَبة، وناجحة.

ولا يخفى أنّ دراسة التطلعات والطموحات المستقبلية (الأهداف البعيدة) من خلال الإمكانات والقُدرات المتاحة يجعلُ ترتيب الأولويات مُتاحًا، وقريبًا من الفهم والنضوج.

إنّ عَمَلًا جَبّارًا ضَخْمًا يُرادُ منه انتشالَ الأمة من حَمَأةِ التبعيّة إلى التقدُّم والرُّقيّ؛ لا يَقوى عليه آحادًا من مُفكري الأمة وعُلمائها مَهْما بَلغتِ إمكاناتهم وقُدراتهم، كما لا يقوى عليه فصيلٌ واحِدٌ مِنْ فصائلِ المجتمع، مهما بلغ مفكِّروه وجماهيره؛ فهو يحتاجُ إلى جهودٍ جبارة تُستنفر لها كُلّ الخبرات والطاقات المتوافرة، أو التي يُمكن توفيرها، وتوّجَّه بِخِططٍ مدروسة وأعمالٍ مُحكمة.

منقول من جريدة الدستور الرسمية.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى