حدود الدور الرقابي للنائب

انشغل الرأي العام قبل أيام بالخلاف الذي وقع بين أحد أعضاء مجلس النواب ومستثمر أردني، والتي ثار حولها خلاف حول الحدود المكانية لصلاحية النائب الرقابية، وفيما إذا كان من الجائز دستوريا أن تمتد خارج أسوار المجلس النيابي. إن نظام الحكم كما حددته المادة الأولى من الدستور هو نيابي ملكي وراثي، وأن من أهم أركان الديمقراطية النيابية أن النائب المنتخب يمارس السلطة باسم الشعب ونيابة عنه. فالديمقراطية غير المباشرة قد جاءت للتخفيف من حدة الديمقراطية المباشرة التي يمارس فيها الشعب السلطة بنفسه دون وسطاء عنه، والديمقراطية شبه المباشرة التي يتقاسم فيها كل من الشعب وممثليه المنتخبين ممارسة السلطة.

بهذا المفهوم، يعتقد البعض أن الشعب قد فوض النائب المنتخب جميع صلاحياته ليمارسها نيابة عنه وعلى النحو الذي يراه مناسبا، دون جواز فرض أي قيود على هذه السلطة التمثيلية للعضو المنتخب. وهذا القول على إطلاقه فيه إهدار للأسس الدستورية الأخرى التي يقوم عليها النظام الدستوري الأردني ولحقوق الأفراد وحرياتهم. فإطلاق الرقابة النيابية على المؤسسات والدوائر الحكومية دون تنظيم يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، والقائم على أساس أن لكل سلطة استقلاليتها ومهامها المناطة بها، ضمن إطار التعاون والرقابة السياسية المقررة في الدستور. كما أن السماح للعضو المنتخب بممارسة سلطاته الرقابية في مواجهة أفراد المجتمع فيه اعتداء على حقوقهم وحرياتهم التي قررها لهم الدستور، كالحق في الحرية الشخصية، وحرية العمل والتجارة.

إن نطاق ممارسة النائب لصلاحياته الرقابية يكون أثناء دورات انعقاد المجلس وفي جلساته البرلمانية، حيث نظم المشرع الدستوري هذه السلطات من حيث الأشخاص الخاضعين لها ابتداء وكيفية ممارستها على الوجه السليم. فالدستور الأردني قد قرر الرقابة البرلمانية السياسية في مواجهة كل من رئيس الوزراء والوزراء، وذلك ضمن أطر دستورية تحدد أوجه هذه الرقابة المتمثلة بالسؤال والاستجواب وطرح الثقة، والنتائج المترتبة على هذه الرقابة، والتي قد يصل مداها إلى إجبار الحكومة أو أي من الوزراء فيها على الاستقالة.

وبخصوص القطاعات الحكومية والأنشطة الفردية، فإن رقابة النائب المنتخب تمتد إليها بطريقة غير مباشرة، وذلك من خلال تفعيل المسؤولية السياسية في مواجهة الوزير المعني الذي تقع ضمن مسؤوليات وزارته متابعة هذه الأعمال. وهذا ما يستدل عليه من حكم المادة (51) من الدستور التي تنص على أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته. فمفهوم “أعمال الوزارة” التي يسأل عنها الوزير سياسيا تعتبر الغطاء الدستوري الذي يمكن من خلاله أن يراقب النائب على كيفية العمل في المؤسسات والدوائر الحكومية، والآلية التي يمارس فيها الأفراد لأنشطتهم التجارية والمالية، والتي تخضع لأسس وضوابط قانونية يفترض بالوزير المعني التحقق من تطبيقها.

وتبقى الحالة التي يمكن فيها أن تمتد الرقابة النيابية خارج أسوار مجلس النواب وذلك عند اجتماع أي من اللجان النيابية خارج المجلس النيابي، حيث أجازت المادة (60) من النظام الداخلي لمجلس النواب لأي من لجان المجلس أن تعقد اجتماعاتها في أي مكان آخر خارج المجلس شريطة التنسيق مع المكتب الدائم.

 

 

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى