سميرة الخطيب شاعرة القدس الحالمة .. رحيل صامت

في بدايات الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية، شهدت الحالة الثقافية زخمًا ونشاطًا مكثفًا في مختلف المجالات، وعرفنا أسماء أدبية عديدة، منها من توقف عن تعاطي الكتابة لأسباب مختلفة، ومنها مَنْ واصل العطاء والإبداع، ومنها ما زال على قيد الحياة ومنها مَنْ رحل إلى العالم الآخر.

وكنا عرفنا ثلاث شاعرات إلى جانب الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان، ابنة نابلس جبل النار، وهن: ليلى علوش والمرحومة للي كرنيك وسميرة الخطيب، التي ترجلت عن صهوة الحياة بصمت في أرض الغربة، بعيدًا عن وطنها، ونعاها الناعي قبل أيام قليلة.

وكانت قصائد سميرة الخطيب تحتل موقعًا واضحًا ومميزًا في المشهد الأدبي الإبداعي الفلسطيني، وتزين الصفحات الثقافية والأدبية، حيث التزمت الموقف الوطني الواعي لقضايا شعبنا وهمومه وأحلامه بالحرية والاستقلال.

سميرة الخطيب من مدينة القدس، عاشت وترعرعت في أزقتها وشوارعها، هاجرت إلى أمريكا وأقامت فيها حتى وفاتها، وهناك أسهمت في طرح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وبين أوساط الرأي العالمي الأمريكي، جنبًا إلى جنب الشاعر الفلسطيني الشهيد راشد حسين.

أسست مع مجموعة من المثقفين الفلسطينيين صندوق الجليل الثقافي، بهدف تعليم الشباب الفلسطيني من الجليل والمثلث ومساعدتهم على مواصلة دراستهم الاكاديمية.

اشتغلت سميرة الخطيب في صحيفة “الوحدة” الصادرة في الامارات العربية، وفي مجلة “الظفرة” التي كان يصدرها الصحافي محمد محفوظ في لندن.

عرفت وتعرفت إلى الشاعرة سميرة الخطيب في مقتبل شبابي، عندما جاءت إلى بلدنا الحبيب “مصمص”، في العام 1977، للمشاركة في حفل تأبين شاعرنا راشد حسين، فوقفت على المنصة وهي بالكوفية الفلسطينية، وتحدثت بلباقة وجرأة وثقة بالنفس.

نشرت سميرة الخطيب قصائدها في مجلة “البيادر الأدبي” لمؤسسها وصاحبها الراحل جاك خزمو، وصدر لها مجموعة شعرية بعنوان “القرية الزانية”.

لسميرة الخطيب خصوصية معينة جعلت الوطن إضاءتها وذاكرتها، والإنسان أكثر التصاقًا بالوطن، والوطن أكثر تألقًا، وجاءت نصوصها مفعمة بالألم والوجع والغضب، وبالحب العميق الصادق للقدس والأرض والوطن، بناسه البسطاء والفقراء، وعالجت من خلالها مواضيع فلسطينية ووطنية مستوحاة من الواقع، وأخذت في الغربة طابع الشوق والحنين، وطبعتها الرومانسية.

وتزخر هذه القصائد بالمشاعر الفلسطينية والإنسانية النبيلة، وبين جنباتها دفئًا إنسانيًا وفلسطينيًا صادقًا عارمًا بإنسانية الإنسان، بهمومه وجراحه وعذاباته، ووظفت فيها التراث والرموز الحضارية للتعبير عن الحاضر واستشراف الآتي.

سميرة الخطيب شاعرة ذات شفافية غنائية وحس أدبي مرهف، يتصف شعرها بجماليته وموسيقاه وصوره المكثفة، ولنقرأ هذه الابيات من قصيدة “مشعل رقم 36″، التي تحمل دلالات تعبر فيها عن وجع الوطن:

ع الأوف مشعل

والهوى ما عاد يؤلمني كثيراً

منذ التقينا والجليل

يصوغ بذر المستحيل

ويعيد لي ساعات أرقام اللقاء

يصير أيماني مواعيداً وواعد

ويمد قدسي حينما تبكي شبان كابداع القصائد

يهفو الى شباك بيتي ليالي الخوف واحد

أنا صامد يا بنت

أنا لن أبيعك بالعواصم والغواني والطلول

يقول الناقد د. نبيه القاسم:” سميرة الخطيب، كانت الفتاة العربية الفلسطينية الأولى التي عرفت، كانت ممتلئة شبابًا وذكاءً وتوقدًا وثورية وحبًا للمعرفة والعمل، وكانت شاعرة تفرض وجودها بموهبة كبيرة وقدرة على صقل الكلمة وطرح الفكرة ورسم الصورة بسلاسة انعدمت عند الكثير من الشعراء”.

سميرة الخطيب ماتت وهي بشوق لشوارع القدس ورام اللـه وأزقة الوطن السليب، ورحلت بصمت كغيرها من المبدعين والمثقفين، فلها الرحمة والذكرى الخالدة، وسلامًا لروحها.

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى