فرح.. عادت من الأردن بابتسامتها المعهودة إلى غزة

بخطى ثابتة؛ تقدمت الطفلة فرح اسليم تلاميذ مدرستها “مصطفى حافظ” في مدينة غزة، لتلقي كلمتها، بعد عودتها من رحلة علاج في المملكة الأردنية، دون أن يشعر أحد أنها قامت بتركيب طرف اصطناعي، بعدما أصيبت قدمها اليمنى في الحرب الأخيرة على غزة في أيار/مايو الماضي.

 

بابتسامتها المعهودة التي لم تفارقها منذ الإصابة، وبتوشحها بالكوفيتين الفلسطينية السمراء، والأردنية الحمراء، اللتين زينتا كتفيها؛ ظهرت فرح ابنة الـ11 ربيعا، قوية غير متلعثمة، يصفق لها بحرارة جميع الطلبة والمعلمين، وممثل المستشفى الميداني الأردني في غزة، العقيد الركن زكريا أبو خيط، وهي تقابل تصفيقهم برفع شارة النصر.

 

وأكدت فرح لـ”قدس برس” أن إصابتها لن تزيدها إلا عزيمة وإصرارًا على نيل الدرجات العليا، والحصول على المرتبة الأولى في الدراسة، معربة عن شكرها للملك الأردني عبدالله الثاني، لرعايته علاجها منذ اللحظة الأولى لإصابتها، ونقلها إلى الأردن لتلقي العلاج اللازم حتى عودتها إلى بيتها ومدرستها.

 

كيف أصيبت فرح؟

 

وروت والدة فرح، مريم اسليم، تفاصيل إصابة فرح في العدوان الأخير على قطاع غزة، قائلة: “كان يوم الاثنين 5 أيار/مايو، وتحديدا عند الساعة السادسة و25 دقيقة صباحًا، حيث سمعت صوت غارة إسرائيلية، فأخذت أبحث عن موقع القصف القريب، حتى رأيت الدخان يتصاعد من غرفة الأولاد، فأصبت بالجمود”.

 

وأضافت والدة : “استجمعت نفسي وأخذت أصرخ واستنجد بأهل البيت ممن يسكنون في طابق آخر، حيث جاء أعمامهم، وبدأوا يخرجون الأطفال من غرفتهم، ومنهم من اتصل بالإسعاف، وتم نقلهم الى مجمع الشفاء الطبي”.

 

وأوضحت أن “فرح” وثلاثة من أشقائها (أميرة وشهد وبهاء) أصيبوا في قصف مباشر لغرفة نومهم، في بيتهم الكائن في حي الصبرة بمدينة غزة، والذي كان ضمن بنك أهداف الاحتلال الإسرائيلي “دون سابق إنذار” بحسب قدس برس

 

شعور لا يتخيله عقل

 

من جهته؛ قال والد فرح، حافظ اسليم، الذي يعمل في سلك الأمن بمجمع الشفاء الطبي: “كنت دائما أنقل المصابين من الإسعاف إلى الاستقبال في مستشفى الشفاء، وأوثق أسماءهم في كشوفات، وكنت حينها أتقطع ألما وحزنا على ما أشاهده من آلام ومناظر تقشعر لها الأبدان”.

 

وأضاف والد فرح : “في اليوم الذي أصيب فيه فرح وأشقاؤها؛ كنت أنوي تبديل عملي مع زميل آخر، وذلك لأنني كنت أشعر حينها بضيق في صدري، وكأن شيئا سيئا سيحدث، إلا أن الأمور لم تسر على نحو ما أريد، فبقيت في المشفى أتابع عملي، حتى فاجأني اتصال من الاستقبال هناك بوجود إصابات قادمة من حي الصبرة الذي أقطنه، فأسرعت إلى الخارج لتسجيل أسمائهم في الكشوفات”.

 

وتابع اسليم: “أسرعت إلى سيارة الإسعاف محاولاً المشاركة في إنقاذ حياة المصابين القادمين، وحين فتحت باب السيارة؛ تفاجأت بأطفالي الأربعة ممددين على أسرة الإسعاف، كان شعورًا لا يتخيله عقل”.

 

وأردف باللهجة العامية: “كنا نموت على أطفال الناس لمَّن (عندما) بنشوفهم (نراهم) مصابين، فما بالك لمَّن يكونوا أولادك”.

 

وأوضح اسليم أنه تم نقل أبنائه إلى الاستقبال لمعاينتهم، “وغادرت أميرة وشهد المشفى بعد تضميد جراهما الطفيفة، وبقي بهاء لمدة أربعة أيام لمتابعة وضعه الصحي، أما فرح فنقلت فورا إلى غرفة العمليات لإجراء اللازم”.

 

العلاج في الأردن

 

واستذكرت والدة فرح اللحظات الصعبة التي عاشتها العائلة حينما أخبرها الأطباء بعد خروجهم من غرفة العمليات، أن الوضع الصحي لابنتها صعب جدًا، بسبب “إصابة قدمها اليمنى بالتهاب، جراء تمزق في الأوتار، وتهتك في العظام”، مؤكدين ضرورة نقلها لتلقي العلاج في الخارج.

 

حينها؛ انطلقت صرخات الاستغاثة من أفواه جميع الحاضرين، وفق والدة فرح الذي تملكها سؤال كبير عن السبيل التي يمكن من خلالها إنقاذ ما تبقى من قدم فرح، كي تعود بشقاوتها المعهودة؛ إلى اللعب والركض، وملاحقة الفراشات، ومسابقة الطيور، وقطف الأزهار.

 

وأضافت أن “الملك عبدالله الثاني استجاب لنداء الاستغاثة، وسافرت فرح في رحلة علاج لم تكن تعلم إلى أين ستتجه بها؛ أإلى جنة خلد وشفاء، أم إلى معاناة؟”.

 

وتابعت والدة فرح التي رافقتها في رحلتها العلاجية: “لقد كان ظني في أهلنا بالأردن في محله، فقد استقبلونا بحفاوة بالغة، وقدموا لنا كل ما يلزم، حتى شعرنا أننا في بيتنا بين أهلنا”.

 

وأشارت إلى أن “الأطباء الأردنيين قدموا لفرح العلاج النفسي، إلى جانب العلاج الجسدي لقدمها، في محاولة لتخفيف الآلام النفسية التي قد تمر بها جراء إصابتها، وخصوصا أنها ما زالت صغيرة السن”.

 

وأكدت والدة فرح أن “الجميع في المستشفى الأردني أحبوا (فرح)، وبذلوا جهودهم لتشفى”، وقالت: “مكثنا ما يقارب الثلاثة شهور؛ لم يتضجر أحد فيها من وجودنا، بل إنهم حزنوا على فراق فرح عندما أخبرناهم بقرار عودتنا إلى غزة”.

 

عادت “فرح” غزة مجددًا، وابتسامتها الفريدة ترافقها على الدوام، لم تغب عن محياها رغم عودتها بطرف اصطناعي لقدمها، التي باتت تحتاج – وفق والدها – إلى قطع غيار وصيانة مكلفة كل فترة، ومع كلفتها العالية؛ إلا أنها غير متوفرة لديها.

 

وتجدر الإشارة إلى أن عدوان الاحتلال على غزة في أيار/مايو الماضي، استمر لمدة 11 يومًا متواصلة، وخلّف 240 شهيدًا فلسطينيًا، ومئات الجرحى، وهدم حوالي 20 ألف وحدة سكنية، مخلفًا دمارًا كبيرًا في البنى التحتية للقطاع.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى