محامية أردنية…. تسجيل أصوات الآخرين عبر تطبيق الواتساب جريمة الكترونية

“كنت أعلم أنها تنقل الكلام وتحرّفه على لساني، ولم أكن أكترث كثيرا لما تقوم به، لكن أن يصل الأمر الى تسجيل صوتي عبر تطبيق (واتساب)، وترسله لصديقي الذي لم يخف عني حقيقتها، فهذا ما لم أكن أتوقعه صراحة”.

 

هذا الاستهلال لموظف رفض الكشف عن اسمه، يسرد قصته مع من “خانت أمانة المجالس”، على حد تعبيره، معربا عن دهشته لما قامت به، “بهدف الإيقاع بيني وبين صديقي، والحمد لله أنها فشلت في مهمتها غير النظيفة”، كما يقول بحسب بترا.

 

ويبين أن تلك الحادثة حولته لشخص مختلف، أعاد ترتيب الأولويات في سلم الثقة والزمالة والأصدقاء، ونوعية الأحاديث التي من الممكن التطرق إليها في الأماكن العامة خاصة أماكن العمل، وحتى مع الأقرباء.

 

ويشدد هذا الموظف على أهمية توخي الحيطة والحذر، “في كل ما نقوله، ولمن نوجه كلامنا، وأن نعرف من نختار من الناس ليكونوا الأصدقاء الثقات، وليس من المتصيدين، والبُعد كذلك عمن يثبت أنهم من مثيري الفتن الاجتماعية، ومحبي النميمة، وتحريف الكلام”.

 

وعلى الرغم من أن تسجيل صوت الناس أو صورهم عبر التطبيقات الذكية، أو الهواتف النقالة، أو أي من وسائل التواصل الاجتماعي، بطريقة المغافلة جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن بعضهم يعمد اليها لغايات في أنفسهم، منها الإيذاء والإيقاع بالناس، والنيل من سمعتهم، واغتيال شخصياتهم، وتفرقتهم عن أحبابهم وأصحابهم، والتسبب بتركهم لوظائفهم ومصادر أرزاقهم، واستدراجهم لقول ما لا يرغبون بقوله من أجل نشره أو بثه أو تناقله بين مجموعات، للبحث عن دور ما في المجتمع، خاصة لمن يعانون من عقد نقص مركبة ومشكلات نفسية، وفقا لمعنيين ومتخصصين.

 

ويشدد هؤلاء المتخصصون على أهمية حفظ أسرار المجالس، وصدقية العلاقات والالتزام الأخلاقي بشأنها، وتعزيز جسور الثقة، وإظهار احترام الآخر، مشيرين الى أهمية إغلاق الهاتف النقال، لدى البدء بحديث بالغ الاهمية والحساسية بين المتحدثين في بادرة حُسن نية.

 

وتعتبر رند غرايبة، (مذيعة): أن تسجيل صوت الغير دون علمه، فسادا أخلاقيا، واصفة هذا التصرف من قبل البعض بأنه “نوع من التجسس”، ويحمل في طياته الكثير من التداعيات السلبية في العلاقات بين الناس، فيما تشير وداد قطيشات، “متخصصة في الهندسة الوراثية”، إلى أنها عاشت تجربة من هذا القبيل، عندما اكتشفت أن احدهم كان يقوم بتسجيل المكالمات للإيقاع ببعض الموظفين، “لكن للأسف، لم يقم الموظفون بأي إجراء ضده لدى علمهم بفعلته، خوفا على أمنهم الوظيفي”.

 

وتتذكر قطيشات أنها كانت أيضا ضحية لهذا السلوك، حيث سُجّل لها حديث، بهدف إيصاله لأطراف معينة، موضحة، أنها لم تهتم، لأنها لا تخشى شيئا مما قالته، بل هو كلامها ذاته الذي تتحدث به أمام الجميع، “فلماذا الخوف إذن، وممن؟” على حد تعبيرها.

 

وفيما تُذكّر المحامية نهى سلامة أن القيام بتسجيل أصوات الآخرين دون علمهم يُعد جريمة الكترونية، يُعرّج الخبير في قوانين الإعلام الزميل يحيى شقير على بعض مواد قانون الاتصالات.

 

ويشير شقير الى المادة 65 من هذا القانون التي “تعتبر المكالمات الهاتفية والاتصالات الخاصة من الأمور السرية التي لا يجوز انتهاك حرمتها تحت طائلة المسؤولية القانونية”، وتنص المادة 71 على: “كل من نشر أو أشاع مضمون أي اتصال بواسطة شبكة اتصالات عامة أو خاصة أو رسالة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو قام بتسجيلها دون سند قانوني يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن 100 دينار، ولا تزيد على 300 دينار أو بكلتا العقوبتين”.

 

ويتابع: أما المادة 76 من القانون عينه فتنص على: “كل من اعترض أو أعاق أو حوّر أو شطب محتويات رسالة بواسطة شبكات الاتصالات أو شجع غيره على القيام بهذا العمل، يعاقب بالحبس مدة لا تقل على شهر ولا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على 200 دينار أو بكلتا العقوبتين”، كما تنص المادة (348 مكررة) من قانون العقوبات على: “يعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة 200 دينار كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت، بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور أو استخدام المنظار، وتضاعف العقوبة في حال التكرار”.

 

ويضيء المستشار المحامي عبد الرحيم عليوه على هذا الموضوع، بقوله: وفقا لقانون العقوبات، يعاقب بالحبس كل من اعتدى على الحياة الخاصة للمواطنين، كما يعاقب بالحبس، كل من هدد الشخص المسجل له، مشيرا إلى أن من له الحق بإصدار الإذن المسبق لتسجيل المكالمات هو القاضي، ووفقا لشروط معينة، ويشاركه الرأي المتخصص في هندسة الاتصالات المهندس حسن صالح الصفوري، بقوله: الحالات المجاز بها تسجيل صوت شخص دون علمه، تكون بإذن من النيابة العامة.

 

ويلحظ استاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، أن إساءة استخدام وسائل الاتصال والتواصل بين الأفراد، واحدة من المؤشرات العميقة لوجود فجوة حضارية بين المنجز التكنولوجي بالغ الاهمية، ومن لا يوظفه للصالحين العام والخاص في آن معا، ويشير إلى أن الخصوصية الملتحفة بعقد أخلاقي ضمني يرتكز على الثقة المتبادلة، والصدق والالتزام بين المتحدث والمستمع، هي من أهم دعائم التواصل الانساني الراقي، الذي يقوّي العلاقات المثمرة بين الناس، ويجعلها قابلة للاستدامة بشكل أوثق.

 

ويرى أن من المعيب قيام بعضهم بالاستغلال السيئ للعلاقات الانسانية، عبر تسجيل حديث أحدهم دون علمه، سواء بالصوت أو الصورة، وذلك لتحقيق هدفه الشخصي المغرض، سيما إذا أعاد إرسال ذلك التسجيل لأطراف أخرى، بقصد الاساءة الشخصية أو المهنية أو العلمية لمن تمت مغافلته، أو حتى على سبيل الاستدراج لحديث لم يكن يرغب الشخص بإعلانه لأحد، الأمر الذي من شأنه إثارة الفتنة، أو المشكلات الاجتماعية بين أطراف المعادلة التي تزج بهذا المعترك.

 

ويُقدّر محادين أن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة، من شأنها إشاعة عدم الثقة بين الناس، عبر تحويل التكنولوجيا من وسيلة اتصال راق، الى أخرى تبث البغضاء بدافع انتهازي آني، وربما، في محاولة للصعود على حساب الشخص الذي وثق بمن حدثه، بهدف الايقاع به، والنيل من مكانته، أو سمعته، أو صدقيته، لغايات في نفس المرتكب.

 

ويعتبر أن قيام بعضهم بهذه السلوكيات التي يصفها بـ “اللاأخلاقية”، يشي بتراجع نسبي للثقة العامة بين بعض الأفراد، والتي من المفترض أنها العنوان الأبرز للعلاقات الإنسانية في مجتمع متكاتف ومتعاضد “تربينا فيه على أن السر و الخصوصية من الامور المصونة”.

 

ويذهب محادين إلى أن المشكلة في مثل هذه التسجيلات التي يقصد منها التسريب للإيقاع والإضرار بالآخرين، أنها قد تكون مجتزأة، يراد من خلالها إيصال رسالة بعينها، فقد ينطوي التسجيل على مدح وذم، فيما يقوم الشخص، بقص التسجيل، واقتصاره على الذم، بهدف توظيفه سلبا.

 

وينوه إلى أن الخطورة في هذه الحالة تكمن بمن يصدق التسجيل، دون مراجعة صاحب الصوت أو الصورة، ليتحقق من سياق ما حدث، ومن ثم يقرر، خاصة اذا كان في موقع المسؤولية، فقد يقوم بالاستغناء عن خدمات هذا الشخص، وبالتالي يتحقق هدف من “رتب لكل هذا السيناريو”، بإلحاق الضرر النفسي والمعنوي والاجتماعي والاقتصادي له.

 

وفي الإطار ذاته، ينصح محادين بضرورة توخي الحيطة والحذر في تناول أي حديث بين مجموعات، أو بين شخصين، والتحدث بدقة وحرص ودراية ومعرفة، دون التطرق لحياة الأشخاص أو سيرهم أو الحط من قدرهم، مشددا على أهمية البعد عن “النميمة”، وعدم التكلم أيضا أمام من لا نعرفهم، أو لا نثق بهم، أو نعرف تماما أنهم يكيدون لنا، أو يحاولون الايقاع بنا.

 

ويقول، “يجب أن لا يحتمل الحديث أي تأويل، وأن لا نعطي للمقابل فرصة أن يستغل كلامنا، وعلينا “الكف عن عادة قول كل ما في جعبتنا أمام الناس، والتنبه لعدم افتراض حسن النية بالآخرين خاصة في الأماكن العامة، وأن لا نقدم اسرارنا على طبق من ذهب لمن يبحث عن دور على حسابنا، خاصة في الوظيفة والشراكة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية”.

 

من جانبه، يُشخّص الاستشاري في الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ، حالة قيام بعضهم بهذا السلوك، بقوله: إن توثيق وتسجيل الكلام للآخرين مبرر، اذا كان في سياق يخدم مهنة معينة، وبرضا الطرفين، أما إذا كان للترصد والإساءة فهذا مرفوض، لما له من آثار سلبية تتسبب بخرق وإضعاف روابط الصداقة، وقد تكرس مشاعر الكراهية والسلبية بين الناس.

 

ويقدّر أن هذا السلوك هو فردي لشخص قد يفتقد لمشاعر الثقة والأمان لكل ما هو حوله، أو أن لديه دوافع عدائية تجاه الآخرين لإرضاء أزماته ونزواته وعقد النقص المركبة لديه.

 

وتؤكد دائرة الافتاء العام عبر موقعها الالكتروني أنه “قد يُساء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تصير سبباً في الفساد، والإشاعات المغرضة، واغتيال الشخصيات، والطعن في الأعراض، والوقوع في الآثام”، لذلك تحرم: “إشاعة الفحش والكذب على هذه المواقع”، مبينة أن: ” نشر الإشاعات الكاذبة من جملة الكذب، وهو محرم شرعاً، بل كبيرة من الكبائر”.

 

وتشير الافتاء إلى أن على المسلم – أياً كان موقعه – أن يتثبت ويتبين، فالمسلم كيّس فطن، وقد روى الإمام أبو داوود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى