يوسف الحداد يكتب : محمد بن زايد آل نهيان والأمن القومي العربي

منذ الفترة الأولى لاندلاع الفوضى والاضطرابات التي اجتاحت منطقتنا العربية في عام 2011، وتسببت في زعزعة استقرار دول محورية رئيسية مثل جمهورية مصر العربية الشقيقة، ووقوع دول أخرى في صراعات أهلية خطير مثلما حدث في سوريا واليمن، بزر دور القائد بكل وعيه الاستراتيجي بخطورة ما يدور في منطقتنا، حيث قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ رئيس الدولة، حفظه الله ـ بترجمة رؤية القيادة الرشيدة لدولة الامارات وبناء حائط صد متين يواجه تيار الفوضى والاضطرابات والتدخل الأجنبي في شؤون بعض الدول العربية، وأسس سموه تحالف قوي مع دول عربية شقيقة في مقدمتها المملكة العربية السعودية، مجسداً نهج القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تعزيز الجهود من أجل استعادة وحدة الصف العربي ولملمة شتات ما تبقى من دول عربية تعرضت لتهديدات وتحديات هي الأصعب والأخطر في تاريخها. واللافت أنه في ظل انشغال دولة الامارات وقيادتها الرشيدة بالدفاع عن الأمن القومي الخليجي والعربي، واصلت الدولة مراكمة النجاحات التنموية حتى نجحت في إرسال أول رائد فضاء خليجي وعربي إلى المحطة الدولية في عام 2019، كما باتت الدولة تنافس على المراتب الأولى في جميع مؤشرات التنافسية التنموية عالمياً، وأصبح العيش فيها حلماً لملايين الشباب من حول العالم، وليس من دولنا العربية فقط.
ومنذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ في الثاني من ديسمبر عام 1971، تؤمن دولة الامارات بحزمة من القيم والمبادئ الأصيلة، ومنها ما يرتبط بعلاقات دولة الامارات بأشقائها ومحيطها الخليجي والعربي، حيث كان القائد المؤسس يؤمن إيماناً راسخاً بترابط المصالح وحدة المصير وبضرورة وقوف الامارات إلى جانب الشعوب العربية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتقدم، واضعاً الأساس القوي الذي تمضي عليها الدولة ـ حتى الآن ـ في بناء مواقفها واتجاهاتها وسياساتها حيال الدول والشعوب العربية. وفي مناسبات عدة، نستطيع أن نلمس حرص القيادة الرشيدة في دولة الامارات على التمسك بقيم زايد ومبادئه، ومن ذلك تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله ـ خلال الاحتفاء بأبناء القوات المسلحة المشاركين ضمن قوات التحالف العربي باليمن على أن “أبناء الوطن عبروا عن المعدن الأصيل للإنسان الاماراتي والقيم المترسخة التي زرعها المؤسسون الأوائل في هذا الشعب وهذه الأرض في الوقوف إلى جانب الحق والعدل ونصرة المظلوم”. وتوضيح سموه لأبعاد هذه المهمة القومية التي فرضتها تحديات الواقع الاستراتيجي بقوله “نحن دعاة سلام وخير ومحبة، لكننا في الوقت ذاته أصحاب عزم وهمة حينما يتعلق الأمر بتهديد أمننا أو أمن أشقائنا”. وهي المرتكزات الأساسية التي تنطلق من الرؤية الاستراتيجية الاماراتية وتستمد منها أهدافها. كما تمثل رؤية القيادة الرشيدة لدعم مصر ومساندتها في أوقات المحن والأزمات نموذج آخر للوعي والمسؤوليات القومية التي تضطلع بها دولة الامارات، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته لمصر لحضور افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية أن “قوة مصر هي قوة للعرب جميعاً، فمصر هي ضمانة للأمن القومي الخليجي والعربي”، كما تعكس إشادة سموه بأداء القوات المسلحة المصرية، إدراك الإمارات العميق لأهمية هذه القوات، باعتبارها عامل توازن وأمن واستقرار في المنطقة بأكملها، ولهذا فقد أكد سموه على أن “تعزيز القدرات العسكرية المصرية والعربية يسهم في حماية المكتسبات التنموية لشعوب المنطقة ويوفر البيئة الآمنة للتطور الاقتصادي والحضاري وتعزيز الأمن والسلم ليس فقط على المستوى الإقليمي وإنما على المستوى العالمي كذلك بالنظر إلى ما تمثله المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط من أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى أمن العالم كله ومصالحه”. وهذه الرؤية إنما تؤكد على وعي الامارات بمتطلبات الأمن القومي العربي وركائزه وأهمية دوره في دعم هذه المتطلبات ورعايتها قدر الامكان. وفي سوريا كذلك نموذج آخر مشرف للوعي القومي والاحساس الاماراتي العميق بالمسؤولية تجاه الشعوب العربية، حيث نذكر مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للتواصل هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد لبحث تداعيات أزمة كورونا، مؤكداً دعم دولة الامارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في مواجهة ظروف هذا الوباء “حيث التضامن الانساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”، وتبقى عبارة سموه في تغريدته مثالاً على الاحساس القومي “سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.

يوسف الحداد ،: كاتب واعلامي اماراتي

“المركز الوطني الدراسات”

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى