يسرى أبوعنيز تكتب: تغيّرنا

تغيرنا كثير فما الذي غيّرنا …ونحن لم نغيّر المكان بعد…
تغيرنا حتى بتنا نستخدم وسائل التواصل الإجتماعي حتى لإلقاء التحية بيننا وعلى بعضنا البعض..وبعد أن أصبحت هذه الوسائل طريقتنا في المعايدة على بعضنا في الأعياد..وفي تقديم التعازي..وتقديم التهاني بالزواج..والنجاح..والتخرج..وعند قدوم مولود جديد..
تغيرنا حتى أصبحنا نرمي الإبرة في بيوتنا فنسمع رنينيها بعد أن سرقت التكنولوجيا الحديثة براءة أطفالنا ،وحالت دون ممارسة طفولتهم بشقاوتها..وحلوها ومرها..بعد أن تملّك كل منا ..ومنهم وسيلته الخاصة من التكنولوجيا الحديثة..يمارس ألعابه..ويختار الأصدقاء الذين لا يعلم عنهم شيئا حتى الأسماء التي تكون أحيانا غير حقيقية..
تغيّرنا ..وليتنا لم نتغير حتى باتت ضيافة ضيفنا فنجانًا من القهوة الحلوة..بعد أن كانت القهوة العربية السادة حاضرة بقوة..ولا يرحل الضيف حتى يأخذ واجبه من الطعام الأردني (المنسف) ونحن الذين تغنينا بالضيف منذ عقود مضت”يا هلا بالضيف…ضيف الله” واليوم تناسينا،أو نسينا كل هذا..
تغيّرنا كثير حتى بات الإبن لا يحترم والديه،وقد يلجأ لقتلهما دون ان يرف له جفن..أو يودعهما في مأوى للعجزة حتى لا يقوم بخدمتهما..وحتى لا يتحمل أي مسؤولية تجاههما،وكذلك الحال بالنسبة لبعض الأباء الذين تناسوا دورهم في تربية الأبناء وتوفير ما يحتاجونه في هذه الحياة فأصبحوا غرباء عن بعضهم البعض،فلا علاقة تجمعهم باستثناء اسم العائلة في الوثائق الرسمية،حتى أن الأب أحياناً قد يُقدم على قتل الإبن والبنت دون أن يشعر بالذنب..
تغيّرنا حتى أن العلاقات بين الأقارب..وبين الجيران أكثر من رسمية..فالجار لا يعرف جاره..والقريب لا يعرف قريبه..ولا يروون بعضهم إلا بالصدف..وأصبحت المصلحة هي الرابط الحقيقي لهذه العلاقات..
تغيّرنا حتى أن المعلم الذي كنا نخافه..ونحترمه قبل الخوف ،وننصت له بكل جوارحنا..وتعلمنا في المدارس منذ أول يوم دراسي أن ..
من علمني حرفا كنت له عبداً..وتعلمنا أيضا…
قم للمعلم وبه التبجيلا…
كاد المعلم أن يكون رسولاً..
لم يعد كما كان..فالطالب اليوم لا يحترم معلمه..ولا ينصت إليه..بل يُنفذ الطالب ما يشاء ضارباً بما تعلمناه سابقاً من خوف واحترام..وحسن الإستماع بعرض الحائط..
تغيّرنا كثيراً ..حتى أن بيت العائلة الذي كان بالنسبة لنا وللكثيرين ما هو إلا عنوان للطمأنينة والمحبة يجتمع فيه الأهل صغاراً وكباراً لم يعد كذلك بعد أن تغير كل شيء وبعّدتنا المسافات والزمن..
تغيّرنا حتى أن خبزنا لم يعد خبزنا لا بالطعم ..ولا بالشكل..ولا باللون..وتغيّر من يصنعه أيضاً بعد أن لهثنا نركض وراء التطور والتقدم..
تغيّرنا كثيراً…نعم كثيراً..حتى قمحنا لن يعد قمحنا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى