بدايته مقال صحفي في عهد الاحتلال .. عيد العرش في المغرب قصة لها جذور جزائرية وتتغير بدايتها مع كل ملك

 

 

اعتاد لجميع أن تكون الأعياد بشكل عام في تاريخ ثابت مرتبط بحدث تاريخي دفع الشعب إلى اختيار هذا اليوم ليكون عيدا للشعب، ولكن في المغرب، ومع عيد العرش، فالوضع مختلف، فعند البحث عن تاريخ عيد العرش، تجد أن تاريخه يتغير مع كل ملك يتولى الحكم، فتاريخ يوم تنصيب لمك المغرب على عرشه بعد أخذ البيعة له وفق نظام الحكم بالرباط، هو الموعد الجديد لعيد العرش داخل البلاد.

 

ولكن رغم اختلاف موعد العيد، إلا أن نشأته لها تاريخ واضخ، والمثير للانتباه، أنها تعود لمقال صحفي نشره شخص مغربي من أصل جزائري في عهد الاحتلال الفرنسي للمغرب، لتكون بداية النضال من أجل هذا العيد، ومع الوقت أصبح جزءا من تراث هذا الشعب، وله طقوسه الخاصة التي تعم كافة مدن المغرب.

 

 

 

مِيسّة.. وقصة أول “عيد عرش” في تاريخ المغرب

 

كثير هم المغاربة الذين ترتبط ذاكرتهم، منذ 24 سنة، بتاريخ 30 يوليو كذكرى عيد العرش، لكن قليل منهم من يعرف أن أول احتفال شعبي غير رسمي بهذه المناسبة يرجع ليوم 18 يونيو من عام 1933، وذلك بعد ثلاث سنوات من فرض الاستعمار الفرنسي لما أطلق عليه آنذاك “الظهير البربري”، حيث كان رجل من أصل جزائري مقيم بالمغرب هو صاحب الفكرة، وهو محمد الصالح ميسة، مدير مجلة “المغرب” التي كانت تصدر من الرباط آنذاك، وذلك بحسب ما جاء بتقرير سابق لصحيفة هسبريس المغربية.

 

ويذكر محمد الحسن الوازاني، رئيس تحرير “عمل الشعب” عام 1933 ومؤسس حزب “الشورى والاستقلال” عام 1946، في كتابه “حياة وجهاد”، كيف أن رجلا مغمورا كان وراء فكرة الاحتفال بعيد العرش، وهو محمد بن صالح ميسَّة، مدير مجلة “المغرب”، التي كانت تصدر خلال فترة الثلاثينيات باللغة العربية بالرباط، “إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسَّة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة، حيث كان ميسة أديبا وشاعرا وناقدا جزائري الأصل مقيما بالمغرب، واستطاع أن ينشر فكرته عبر جريدة أخرى هي “عمل الشعب” التي كان يكتب فيها باسم مستعار.

 

 

 

قصة أول احتفالات شعبية..

 

ويصف عبد الهادي بوطالب، المؤرخ ومستشار الملك الراحل الحسن الثاني، في “فكرة إحياء عيد العرش”، أجواء أول احتفال شعبي وغير رسمي بعيد العرش في جو ماطر، قائلا: “كان اليوم 18 نونبر من سنة 1933.. وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيت.. على مقربة من باب أبي الجنود بفاس.. لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال من رشاش المطر المتهاطل.. ولم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة.. للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش..”.

 

وكان لأول احتفال طعم خاص لدى المغاربة، اختلطت فيه مرارة الخوف من بطش الاستعمار بطعم الانتصار عليه بإقامة عيد وطني بعدة مدن، أغلقت فيه المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى الملك برقيات التهاني، وقد أغلقت سائر المدارس الإصلاحية وكذلك عطل القسم العالي بالقرويين ولولا تداخل مجلس الجامعة تداخلا غريبا لكانت الأقسام الابتدائية والثانوية تتقبل بكل ارتياح هذه العطلة الصغيرة احتفالا بالجلالة الشريفة.

 

 

 

ترسيم الاحتفالات بعد ترسيخ الفكرة..

 

وهكذا، وضع محمد بن صالح ميسة عبر جريدة “عمل الشعب”، بدعوته إلى سن تقليد الاحتفال بذكرى الجلوس الملكي كعيد وطني، عبر تعطيل العمل يوم 18 نوفمبر من كل سنة، سلطات الحماية الفرنسية في مأزق واختبار صعب، والتي لم تستجب فيه لهذا النداء، متعللة بأن السلطان كان خارج العاصمة في ذلك العام.

 

ورغم ذلك، انطلقت أولى الاحتفالات الشعبية بذكرى مرور 6 سنوات على جلوس محمد الخامس على العرش، بمنتزه جنان السبيل بفاس٬ وبمدينة سلا بمعية جماعة من شباب الرباط٬ بمقر “المكتب الإسلامي”، الذي صار يدعى فيما بعد مدرسة النهضة٬ وكذلك بقيسارية السمارين بمراكش.

 

وبعد ذلك بسنة، أي 18 نوفمبر عام 1934، بات الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ بصدور قرار وزاري للصدر الأعظم المغربي محمد المقري، بتاريخ 31 أكتوبر 1934م، بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي وقتئذ “هنري بونسوت”، يعلن فيه يوم 18 نونبر عيدا وطنيا، كيوم عطلة تنظم فيه الحفلات الموسيقية٬ وتُزين المدن٬ مع توزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية.. بشرط أن لا تُلقى فيه الخطب “السامية”.

 

من 18 نوفمبر إلى 20 يوليو

 

وبعد ذلك التاريخ، استطاعت الحركة الوطنية أن تفرض على الحماية الاستعمارية الفرنسية ترسيم الاحتفالات بعيد العرش، حيث شكلت هاته الأخيرة ورقة رابحة وقوية للضغط الشعبي على السلطات الفرنسية من أجل إنهاء استعمارها للمغرب.. كما كانت مناسبة لتوطيد العلاقة والالتحام بين الشعب والملك، وفي عام 1953، تم توقيف هاته الاحتفالات، باستثناء شمال المغرب، حين تم تنصيب محمد بن عرفة ملكا على البلاد، ونفي محمد الخامس وعائلته يوم 20 غشت 1953، إلى جزيرة كورسيكا ومن ثم إلى مدغشقر.

 

في 18 نونبر 1955، ألقي محمد بن يوسف أول خطاب للعرش بعد عودته يومية من المنفى، حيث صار هذا التاريخ عيدا للإستقلال ولحدود الآن، ولكن بعد وفاة محمد الخامس، اعتلى الحسن الثاني عرش أبيه يوم 3 مارس من عام 1961، وهو التاريخ السنوي الجديد للاحتفال بعيد العرش، قبل أن يصبح 30 يوليو في عهد الملك محمد السادس في الوقت الحالي.

 

 

 

تجديد للبيعة واحتفالات شعبية ورسمية

 

احتفالات شعبية ورسمية ضخمة يشهدها المغرب بمناسبة عيد العرش والذكرى الـ24 لتولي الملك محمد السادس الحكم، ويظهر الاحتفال بعيد العرش ارتباطاً وثيقاً بين الشعب المغربي والعرش الملكي، ويعد عيد الجلوس واحداً من أبهى هذه التجليات، ويمثل 30 يوليو من كل عام عطلة رسمية بمناسبة الاحتفال بعيد العرش، الذي يعد موعدا لتجديد البيعة للملك، باحتفالات رسمية وشعبية كبيرة، وهذا العام تحل الذكرى الـ24 لاعتلاء العاهل المغربي عرش البلاد.

 

ويتميز الاحتفال بعيد العرش بالمغرب بتقاليد وطقوس شعبية تعود لأكثر من 90 عاماً، منذ أن كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي، فهو أكبر عيد وطني في البلاد، يتخلل مجموعة احتفالات وطقوس تختلف من مدينة لأخرى، لكن الثابت فيها منذ إقرار الاحتفال هو حفل البيعة، أو ما يسمى في المغرب بحفل الولاء، وقد افتتح أول مرة في عام 1934 من قبل القوميين المغاربة الذين رغبوا في تحدي سلطات الاستعمار الفرنسية، وكان بمثابة إعلان من الشعب المغربي برفضهم الوصاية الفرنسية على البلاد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى