الدكتور شتيوي العبدالله يكتب : التعلم الالكتروني

تنبأ أستاذ الإدارة وصاحب مفهوم الإدارة بالأهداف، بيتر دروكر عام 1997 بانقراض الجامعة التقليدية (التي تُعلم وجهاً لوجه) لصالح التعلم والتعليم الإلكتروني بحلول عام 2020. هذه النبؤة جاءت بناء على ما شاهده دروكر من تقدم في تقنيات الإنترنت بحيث أصبحت قادرة على نقل أي شكل من أشكال المعلومات مهما كان ضخماً، كالصور والجداول وشرائط الفيديو وغيرها. لكن دروكر توفي عام 2005 وها نحن في العام 2020 حيث لم تنقرض الجامعة التقليدية ولازلنا نتجاذب الآراء حول جدوى التعليم الإلكتروني.

بداية، يجب التذكير بأن كافة منصات التعلم الإلكتروني (بلاك بورد، مُوودل، ساكاي، برايت سبيس، كانفاس، زووم، مايكروسوفت تيمز وغيرها) اعتمدت على الفكرة التي طورها موري جولدبيرغ الأستاذ في جامعة كولومبيا عام 1995، حيث بدأ باستقصاء كيف يمكن الإفادة من تطور الإنترنت في التعليم. نشر جولدبيرغ بحثاً عام 1996 بيّن فيه أنه من الصعب على الأكاديميين الذين تنقصهم الخبرة التقنية أن يبنوا مساقات منسقة بشكل جيد باستخدام الإنترنت، ولهذا فقد وصف في البحث ما سمّاه أدوات المساق المعتمد على الشبكة Web course tool والذي سُميّ لاحقاً (ويب سي تي) اختصاراً، لمساعدة الأكاديميين في مهمتهم. وقد أسس عام 1997 شركة ويب سي تي التي استحوذت عليها لاحقاً شركة بلاك بورد وألغت اسم ويب سي تي تماما.

من جانب آخر، ازدهرت فكرة التعليم الإلكتروني بعد ظهور ما سُميّ المساقات الضخمة المفتوحة المحملة على الشبكة Massive open online courses (MOOCs) والتي كان رائداها أستاذين من جامعة ستانفورد هما ثرون ونورفيج. لقد طرحا مساقاً للذكاء الاصطناعي ليكون مفتوحا ومجانياً لكل من يرغب في العالم من أن يسجل فيه، وخلال فترة قصيرة كان هناك 160،000 طالب في المساق، مما اضطرهما لوقف التسجيل فيه خوفاً من انهيار شبكة جامعة ستانفورد، وهذه أولى مشاكل التعليم الإلكتروني هو قدرة الشبكة على معالجة التدفق الهائل للمتعلمين في وقت واحد. الأمر الآخر أن 25،000 طالب من هذا العدد الكبير هم فقط الذين أكملوا المساق (أي صمدوا حتى النهاية) أي بنسبة حوالي 16% ، أما من نجحوا فقد كان أقل من ذلك، وقد حُسبت نسبة النجاح لعدة مساقات ضخمة فلم تتجاوز 7%. وهذا هو الإشكال الثاني للتعليم الإلكتروني الذي واجه أساتذة المساقات الضخمة: لماذا تتدنى نسبة المتابعة ونسبة النجاح؟ لقد فُسِّر سبب عزوف الطلبة بأن المادة والتي في معظمها تسجيلات فيديو للمحاضر أثناء المحاضرة تُحمل على الشبكة وهذا يجعل الطالب يشعر بالملل أثناء متابعة الفيديو، تماماً كما يشعر بالملل أثناء متابعة فيلم غير مسلٍ (خاصة وأن المادة العلمية دائماً غير مسليّة).
لحل هذا الإشكال الأخير، اقتُرح أن يتم تبادل للأدوار بين المحاضرة وبين الواجب البيتي (أو فكرة التعليم المقلوب)، بمعنى أن تُحمل المادة التعليمية أو المحاضرة كنصٍ فقط ويقوم الطالب، كواجب بيتي، بقراءتها ثم يتم بعد ذلك مناقشتها بين الطلبة من جهة والمحاضر أو مساعديه من جهة أخرى. كما اقتُرح أيضاً الإفادة من أفكار أكاديمية سلمان خان التي كانت تُعنى بإعداد أشرطة فيديو قصيرة لا تزيد عن عشر دقائق وتعالج الفكرة الرئيسية مباشرة دون الدخول في مقدمات طويلة كما هو في المحاضرة التقليدية.
إن مشكلة عزوف الطلبة وهم في منازلهم عن متابعة المادة التعليمية شكلت صدمة كبيرة لمن اعتبروا أن التعليم الإلكتروني هو ثورة في التعليم: لقد شكل نوعاً من الاضطراب بالأحرى. لقد دفع هذا الأمر القائمين على هذه الشؤون إلى التوقف عن الترويج للتعليم الإلكتروني بشكله الراهن والقبول بفكرة التعليم المدمج الذي ينادي بضرورة المزج بين الشكلين (التقليدي والإلكتروني) بحيث تكون هناك لقاءات فيزيائية (أي حضور) دورية بين المعلم والمتعلم للتفاعل بينهما وللتأكد من مدى فهم الطلبة للمادة التي تُعطى واستيعابها.

وعلى الرغم من هذه المشاكل، فإن التعليم الإلكتروني يمكن أن يكون بديلاً مناسباً في ظرف طارئ، كظرف وباء كورونا أو غيره من الأوبئة، أو في أوقات الحروب لفترات محدودة. كما يمكن استخدامه في حالات تعطيل الدراسة بسبب الثلوج ليوم أو أكثر، فبدلاً من القول بأن الدراسة معلقةٌ ليوم غدٍ يمكن القول بأن الدراسة إلكترونية غداً وابقوا في منازلكم.

لقد أتاحت لنا فرصة وباء كورونا أن نتمكن بدرجة معقولة من استخدام هذه التقنيات، ولا شك بأننا بعد العودة للدوام الرسمي سنسعى جميعاً لاستكمال ما لم نكن قادرين على استخدامه وتحسين قدراتنا على الاستفادة من التعليم الإلكتروني بأفضل صورة ممكنة.

الدكتور شتيوي العبدالله، أستاذ الفيزيولوجيا في الجامعة الأردنية

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى