المهندس علي ابوصعيليك: طبول الحرب تقرع

كتب المهندس علي ابوصعيليك

تزداد يوميا وتيرة التصريحات المتبادلة وخصوصا من الجانب الأمريكي تجاه الصين في سلسلة اتهامات تتعلق بالمسؤولية عن انتشار وباء الكورونا واتهامهما تارة بالتسبب بوجود الفيروس وتارة اخرى بإخفائها لمعلومات كان من الممكن ان تمنع انتشار الوباء بهذا الشكل المخيف بل وكيفية السماح بسفر بعض المصابين الى ايطاليا وغيرها من الدول وهو ما ساهم بنشر الوباء بشكل مذهل مما نتج عنه شلل تام لمظاهر الحياة بشقيها الاجتماعي والاقتصادي وانهارت العديد من الاقتصادات وبلغت ذروة التصعيد مؤخرا ما تسرب من انباء عن تقرير للمخابرات الصينية تدعو جيش بلادها للاستعداد للحرب مع امريكا بعد ان كان هناك تصريحات امريكية عن وجوب الانتقام من الصين لدورها المزعوم في جائحة الكورونا  ولكن هل الحرب هي الخيار الأول للطرفين وهل هنالك فرص لتجنب الحرب وما هي العوامل المحيطة بالأحداث؟

صناعة ونمو الاقتصاد والنفوذ والسيطرة على الاسواق هي المحركات الرئيسية لأكبر اقتصادات العالم ونتحدث هنا عن الصين وأمريكا حيث يعتبر السوق الامريكي هو الأقوى عالميا والدولار الأمريكي هو العملة المعتمدة لعمليات البيع والشراء وترتبط به الكثير من الدول التي تعتمد كثيرا على امريكا في وجودها ونموها ولكن تنين الصناعة والتجارة الصيني تطور كثيرا بشكل متسارع حتى فرض نفسه في الكثير من الاسواق في الثلاثة عقود الأخيرة وبما يتناسب مع القدرات الشرائية وهو ما ساهم كثيرا في سحب البساط تدريجيا مع المنتج الامريكي وتزامن هذا مع تطور القدرات العسكرية الصينية وهو ما يتضح من حجم الانفاق العسكري ولكن ايضا يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الحقائق المتعلقة بفيروس الكورونا وانطلاقته من الصين وحجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي اثرت على العالم ومنها الصين بلا شك ولكن امريكا هي المتضرر الاكبر لغاية الأن ولذلك قد يكون هذا هو الدافع الامريكي للانتقام خصوصا مع ضبابية المستقبل بدون وجود علاج للفيروس وهو ما يهدد بطول امد الأزمة وقد يكون الخيار العسكري ليس فقط انتقاميا وإنما لوجود اسرار صينية تتعلق بالفيروس وعلاجه.

على الجانب الاخر فإن أداء الإدارة الأمريكية منذ بداية الأزمة لم يكن على مستوى الحدث كما اشارت تقارير للاستخبارات الامريكية وتغير التعامل الأمريكي تدريجيا وببطء حتى وصل لوقف عجلة الانتاج بعد ان فتك الفيروس وخصوصا في نيويورك وقتل عشرات الالوف ومع عدم قدرة الادارة الامريكية على ايقاف الموت الذي يفتك بشعبها بدأ التخبط في القرارات وتدرجها من وصف الفيروس بأنه صيني ومن ثم ايقاف الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية حتى وصل الامر للتهديد العلني بالانتقام من الصين على العلن وهو ما يمثل ظاهريا قمة العجز الأمريكي وخصوصا الجانبين الإداري والطبي في مواجهة الوباء وتزامن ذلك مع لعبة الانتخابات الأمريكية والمنافسة الشرسة حيث أن وجود حالة حرب يستوجب استمرار الرئيس ترامب في منصبه فلا يمكن استراتيجيا تغيير الرئيس والبلاد في حالة حرب ولكن حسابات الحرب كثيرة ومعقدة وخسائرها قد تكون أكثر مما قد يطفئ نيرانها قبل أن تشتعل.

ولا يجب أن يمر ظهور أكثر من محلل استراتيجي وخبراء اقتصاديين يؤكدون ان الحرب قادمة لا محالة مرور الكرام وهذا يندرج ضمن إطار المعلومات الإستراتيجية التي تأتي من خلال تحليلات للتصريحات والقوى الاقتصادية وشكل الاسواق ما بعد الكورونا حيث يراهن الكثيرين على انهيار بعض اقوى اقتصاديات العالم والتوجه نحو الخدمات الرقمية كواقع لا بديل له.

ان طبول الحرب قد لا تتوقف فقط على امريكا والصين فمنطقة الشرق الأوسط ملتهبة للغاية والصراعات لم تتوقف خلال جائحة الكورونا بل وازدادت الانقسامات الاقليمية فهناك أمريكا وإيران والخليج العربي واليمن والعراق لازالت ساحات صراع متزايد وينمو ويؤخذ بعين الاعتبار الحرب الدائرة في ارض سوريا بين عدة قوى اقليمية وظهرت خلالها تركيا كلاعب أساسي وظهر الدب الروسي للمرة الاولى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وأيضا منطقة جنوب المتوسط في حالة حرب حقيقية على الساحة الليبية وتتصارع هناك العديد من القوى مع الاخذ بعين الاعتبار وجود الثروة النفطية في ليبيا.

لكن الدور الاوروبي في مؤشرات الحرب غير واضح المعالم باستثناء الدور الفرنسي لمصالحة الإستراتجية في جنوب المتوسط وخصوصا الثروات الليبية ولكن الضرر الاقتصادي الهائل الذي تتعرض له اقتصاديات اوروبا قد يؤكد انها ستكون لاعبا رئيسيا في كل حدث قادم بما تمتلكه من قوى عسكرية واقتصادية وتحالفات دفاع رسمية مع امريكا من خلال حلف شمال الأطلسي ولكن قد تكون هناك حسابات دقيقه قبل اتخاذ قرارات بهذا الحجم وعلى الأغلب فإن لغة العقل في القرارات وخصوصا في حلول افضل من الحرب العسكرية قد تأتي من أوروبا  ولكن من يقرع الجرس؟

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى