يوسف الحداد يكتب : القيادة في أوقات الأزمات…. محمد بن زايد نموذجاَ

المؤكد أن سمات القيادة الحقيقية تبرز في أوقات الشدائد والأزمات التي تتعرض لها الأوطان، وفي مواجهة خطر تفشي فيروس “كورونا” المستجد (كوفيدـ19) برز نموذج القيادة في دولة الامارات العربية المتحدة من خلال ما اتسمت به من سرعة استجابة وقرارات مدروسة وحرص على التمسك بالقيم والمبادئ الانسانية والحضارية الأصيلة، رغم ما يشهده العالم من انحسار للقيم الانسانية في التعاطي مع هذه الأزمة المعقدة.

كما تجلت كفاءة القيادة وفاعلية دورها في وضوح الرؤية والوعي الشديد بأهمية دورها في بناء إجماع طوعي وطني حول استراتيجيات التصدي للأزمة، كما برز بقوة التأثير الايجابي للتلاحم والترابط بين القيادة والشعب، والمخزون الكبير والرصيد المتراكم من الثقة الشعبية الجارفة، الذي يتمتع به الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لدى شعب الامارات، الذي استقبل بوعي ويقين كبير رسائل الشيخ منذ بداية الأزمة، فكانت كلماته مصدر الثقة الأول الذي يبعث على الشعور بالأمان والاحساس بالهدوء والارتياح بين جميع سكان الدولة، مواطنين ومقيمين.
وإذا كانت القاعدة تقول أن “الشدائد تصنع الرجال”، فإن الأزمات كذلك تظهر قدرات القادة ومدى كفاءتهم من خلال الطريقة التي تدار بها الأمور في هذه الأوقات الصعبة. وفي أزمة “كورونا” لم تكن القيادة أمراً عادياً ولا بسيطاً، فالأزمة ليست تقليدية ولا توجد سبل للخروج منها في إطار زمني محدد، ولم تكن تلوح في الأفق آليات للحد من آثارها قبيل التوصل إلى أمصال أو علاجات معتمدة عالمياً، وبالتالي لم تكن هناك مؤشرات واضحة للخروج من الأزمة.
ويشير تحليل مسارات أزمة “كورونا” إلى أنها تسببت في انطفاء وهج وبريق العديد من القادة حول العالم بسبب عدم قدرتهم على إدارة الأزمة وفشلهم في كسب ثقة شعوبهم، وعلى الجانب الآخر كشفت الأزمة عن قدرات قادة استطاعوا امتلاك زمام المبادرة والقيادة واستطاعوا السيطرة على الموقف في هذه الأوقات العصيبة، وبثوا رسائل الأمل ليس لشعوبهم فقط بل للعالم أجمع، وفي مقدمة هؤلاء يأتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث استطاع منذ بدايات الأزمة السيطرة على الموقف وصياغة خطاب رزين هادئ بخلاف معظم القادة والزعماء الذين غلبهم الانفعال والتشنج ووقعوا في فخ نشر الاحباط والخوف والقلق بزعم الشفافية وتوضيح الأمور، حيث أدرك منذ البداية النقاط التي قد يستشعر الكثيرون القلق بشأنها، منطلقاً من البنية الديموغرافية الفسيفسائية لسكان دولة الامارات، والتي يغلب عليها المقيمون بطيف ثقافاتهم الواسع، ولذا فقد اعتمد الشيخ خطاباً انسانياً عميقاً قام على مخاطبة الجميع ـمواطنين ومقيمين ـمعلناً أن الدواء والغذاء خط أحمر ومؤكداً قدرة الإمارات على تأمينهما إلى ما لا نهاية، كما أعلن أن حماية أهل دولة الإمارات والمقيمين فيها هي أمانة في رقاب الدولة كما طالب بأن تكون النظرة إيجابية في مواجهة هذا التحدي العالمي.

وهذه الرسالة الاتصالية كانت بالغة الذكاء ونجحت في احتواء أي شعور بالقلق ونشر الهدوء والطمأنينة في ربوع الامارات، وجاءت عبارة “لا تشلون هم” باللهجة المحلية لتلعب الدور الأبرز كشعار للمرحلة في الداخل والخارج، وانطلقت بعدها قوافل المساعدات الإماراتية إلى أكثر من 53 دولة حول العالم ووصلت إلى قلب الوباء في إيطاليا وأوكرانيا وكولومبيا واليمن وإيران وسوريا وكازاخستان وغيرهم، فتحولت “لا تشلون هم” إلى رسالة أمل تعكس مهارات القيادة الاستثنائية التي استطاع من خلالها الشيخ محمد بن زايد بناء قنوات اتصال فاعلة قادرة على نشر الأمل وبث الطمأنينة في أرجاء مختلفة من العالم.
وقد كشفت أزمة تفشي جائحة “كورونا” عالمياً، عن سمات متجذرة لدى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـوهي سمات يعرفها كل مراقب للتطور التنموي الهائل في دولة الامارات ونمط القيادة فيها، ولكن هذه الأزمة قد عكست هذه السمات بوضوح، ومنها انتماؤه إلى نمط القيادة الكاريزمية التي تحظى بحب والتفاف وتقدير الشعب الاماراتي والمقيمين وجميع دول وشعوب العالم، ليس فقط لما يمثله من قيم التواضع بل أيضاً للحس الانساني الرفيع الذي يتجسد في كل قرارات الدعم والمساعدة للشعوب كافة. وقد أسهم في تجذر هذه القيم النشأة الثرية للشيخ انسانياً وتربوياً وسياسياً في قلعة من قلاع ومدارس القيم والاخلاق والتقاليد العربية والاسلامية الاصيلة في دولة الامارات ومنطقة الخليج العربي وهو بيت الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة ، حيث صقلت خبراته وقدراته في فنون السياسة والحكم والادارة مبكراً، بحيث أصبح أكثر إلماماً بتفاصيل العمل الوطني والسياسات الخارجية والعلاقات الدولية وتوافر لديه وعي استراتيجي مبكر لمستقبل التنمية في الدولة ومتطلبات بناء علاقات دولية اماراتية متوازنة مع دول العالم أجمع.

لذا آمن الشيخ محمد بن زايد مبكراً بالعلم والتخطيط كأساس لازم لعملية تنمية تنافسية تلبي احتياجات المستقبل. والمؤكد أن سمات القيادة والزعامة ليست وليدة اللحظة ولا نتاجاً تفاعلياً مع تداعيات أزمة “كورونا” بل تجسدت بقوة ووضح قبل ذلك على المستويين الوطني والعربي خلال الاضطرابات والفوضى التي عمت المنطقة منذ عام 2011، حيث تصدى لحماية الأمن الوطني الاماراتي والحفاظ على المكتسبات التنموية في مواجهة انتشار موجات الفوضى والاضطرابات الاقليمية وبرز كقيادي صاحب رؤية قومية وانسانية قادرة على صون وحماية الأمن القومي العربي واسهم بدور رئيسي في تحقيق الأمن والاستقرار بدول عربية رئيسية عدة.

وقد أكدت قيادته لجهود دولة الامارات بشأن التصدي لتداعيات أزمة تفشي فيروس “كورونا” على الصعيدين الوطني والدولي، أن القادة العظام يمتلكون خصالا عدة تعدّدها الأدبيات السياسية المتخصصة، ولكن الأهم من بين تلك الخصال هو قدرتهم على إطلاق طاقات شعوبهم، فالقائد الحقيقي هو من يستطيع حشد الهمم واستنهاض الطاقات وشحذ الارادات الوطنية في مواجهة التحديات، فالقيادة كما يعرفّها علم النفس تعني القدرة على فهم الطبيعة البشرية والتأثير في السلوك الانساني لتوجيه مجموعة من الناس نحو هدف مشترك بطريقة تضمن بهم طاعتهم وثقتهم واحترامهم وتعاونهم، ومحمد بن زايد يعد نموذجاً استنثائياً في استنهاض الهمم الوطنية وحشد الطاقات بما يجمع بين خصال القيادة الفعّالة والقيادة الملهمة.

يوسف الحداد:   كاتب واعلامي اماراتي

“نقلا عن كيوبوست”

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى